مقالات
نَحنُ بُقعٌ مِنَ العَتمِ لَولا نُورُ الله فِينَا..بقلم مستشار محمود السنكري

نَحنُ بُقعٌ مِنَ العَتمِ لَولا نُورُ الله فِينَا
بقلم مستشار محمود السنكري
في جوهرِ الوجودِ حيثُ تتداخلُ الظّلالُ معَ الضّياء، وحيثُ يُصارعُ الإنسانُ تيهَ العتمةِ بحثًا عن النور، نقفُ أمامَ الحقيقةِ الكبرى.. لولا نورُ الله فينا، لكُنّا مجرّد بُقعٍ من العتمِ تَذوبُ في سراديبِ الضّياع.
وُلِدَ الإنسانُ في ظُلمةٍ لا يدري كُنهَها، ضائعًا بينَ شكوكِ العقلِ ومتاهاتِ القلبِ، مُحاطًا بأسئلةٍ لا يملكُ لها جوابًا، غارقًا في جهلٍ يُكبّلهُ كالأغلال.
إنّها العتمةُ الأولى، عتمةُ الغفلةِ عن الحقيقةِ الّتي ما خُلِقْنا إلّا لنسعَى إليها، لكنّ الله بنورِهِ يُنيرُ السّبيلَ، فيُبدّدُ الضّياعَ ويهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم.
وأيضاً عتمة القلبُ بينَ القسوةِ والنّور، فكم من قلوبٍ نراها مُطفأة؟ تتقلّبُ في دياجيرِ القسوةِ والجحود، تُنكرُ الحقَّ وتبتعدُ عن الخير، فتزدادُ تكلُّسًا يومًا بعدَ يوم. إنّها قلوبٌ أغلقتها الذّنوبُ، ووأدتها الغفلةُ، ولولا أن يتداركَها الله بنُوره، لظلّت سجينةَ ظُلماتِها، لا تعرفُ طريقَ الخلاص.
لكنَّ الله إذا أرادَ أن يُنيرَ قلبًا، نفخَ فيه من نورِ الهداية، فإذا بالقلبِ يُبصِرُ بعدَ عَمى، ويَليّنُ بعدَ قسوة، ويعودُ إليهِ النبضُ بعدَ موت.
العالمُ اليومَ يتخبّطُ في عتمةٍ أخرى، عتمةِ المادّيّةِ الّتي جرّدتِ الإنسانَ من روحه، فأصبحَ جسدًا يمضي دونَ وجهة، يبحثُ عن المعنى في توافهِ الأشياءِ، وينسى أنّ النّورَ الحقَّ ليسَ في مَظاهرِ الدّنيا، بل في صِلَةِ القلبِ بالله.
كلُّ ما حولَنا من زيفٍ وخداع، كلُّ تلكَ الأوهامِ الّتي تُسوَّقُ لنا على أنّها الحقيقةُ المطلقة، ليست إلّا عتمةً متراكمةً بعضها فوقَ بعض، فلا ينقذُنا منها إلّا نورُ الله، نورُ الإيمانِ واليقينِ والتوكّل.
نورُ الله فينا الدّليلُ الوحيدُ للخروجِ من العتمة فعندما يغمرُ نورُ الله قلبًا، يتغيّرُ كلُّ شيء. تُصبِحُ العتمةُ ضياءً، والمخاوفُ طُمأنينة، والتّيهُ طريقًا واضحَ المعالم، لا تعودُ الحياةُ مُجرّدَ عبورٍ عابث، بل تصيرُ رحلةً ذاتَ معنى، نرى فيها الحكمةَ في كلِّ شيء، ونشعرُ بأنّنا لم نُترَكْ سُدى، وأنّ ثمّةَ يدًا تُمسكُ بنا، ترفعُنا كلّما سقطنا، وتُضيءُ لنا الطّريقَ كلّما اعترتنا الظّلمات.
أما آن لنا أن نطلُب النّورَ حيثُ يكون، ما دُمنا في الحياةِ، فنحنُ عرضةٌ للعتمةِ في كلّ لحظة، لكنَّ الفارقَ يكمنُ فيمن يَبحثُ عن النّورِ ومن يرضَى أن يبقى في الظّلام.
فليكن سؤالُنا الدّائم: أينَ نورُ الله في قلوبِنا؟ هل ما زالَ مُضيئًا، أم أنّ الغفلةَ قد أطفأته؟
في نهايةِ المطاف، لا نجاةَ لنا من العتمةِ إلّا بالله، نحنُ بقعٌ من الظّلام، لكنَّ الله قادرٌ على أن يُحيلَنا إلى أنوارٍ تسطعُ في ليلِ الدّنيا، فلتكن قلوبُنا مرايا تعكسُ نورَ الله ولا تحجُبُه.
