مقالات

” ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ “

بقلم الأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعة ناصف ناصف

السبيل (الجمع: أَسْبِلَة، سُبُل) هو وقف لسقي الماء لعابري السبيل والمارة مجاناً رغبة في الأجر، كان المسلمون في العصور الوسطى يعدون السبيل أعظم ما يثاب عليه المرء من أعمال البر عملاً بالحديث الشريف عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا .. ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟. قَالَ: «سَقْيُ الْمَاءِ» فَتِلْكَ سِقَأيَةُ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ. وكانت السبيل تبنى ملحقة بمبان أخرى مثل المساجد أو المدارس وغيرهما ثم غدت مستقلة بعد ذلك ويلحق بها أحياناً بناء لتحفيظ القرآن الكريم.

” ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ” يقول: ثم يسَّره للسبيل، يعني للطريق. واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسَّره لها، فقال بعضهم: يعني بذلك: خروجه من بطن أمه يسَّره له.

“ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ” عبس – 20 يشير الله -تعالى- في الآية الكريمة أنه قد يسر وسهل للإنسان السبيل، وأنه عز وجل قد مهد له الطريق القويم وأرشده إليه، وقد أشار إلى تعدد آراء أهل التأويل في السبيل والطريق الذي يسره الله للإنسان، و منهم من قال: هو طريق هبوط الإنسان وخروجه من بطن أمه، أو مغادرته لسبيل رحمها، والذي كان موضع تكوينه. وبعضهم قال: بل معنى ذلك: طريق الحق والخير المرتبط بكل فضيلة وخير، وطريق الباطل والشر المرتبط بكل مذمة وقبيحة. وقد وضح الله -تعالى- للإنسان كلا الطريقين، قال: ننظر أيّ شيء يصنع، أيّ الطريقين يسلك، وأيّ الأمرين يأخذ، وهذا الاختبار. وإلى مثل هذا أشار أيضاً قوله -تعالى- في كتابه الكريم: “إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” الإنسان -3 أي : إنا بينا له طريق الجنة، وعرّفناه سبيله، إن شكر، أو كفر ثم هداه الله -تعالى- لما يسره له وهو الإسلام، فالسبيل هو سبيل الإسلام، وهو طريق الحق والاستسلام لأمر الله -تعالى-، والخضوع له بفعل أوامره وترك نواهيه.

 وقيل في تفسير آية (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) بعد أن خلق الله -تعالى- الإنسان في أعدل خلق، وأحسن صورة منحه العقل الذي يستطيع معه التمييز والمعرفة والتفكير، والذي بواسطته يستطيع أن يفرق بين الحق الذي تحبه النفوس والباطل الذي تأنفه النفوس، وبيّن الله -تعالى- لهم طريق الهدى والرشاد، وطريق الضلال والهلاك، وقد أشار بعضهم إن المقصود بهديناه أي أرشدناه، ووضحنا للإنسان السبيل، وسهلنا عليه القيام به , و قد يدل على ما يقوم به الإنسان من أعمال وسلوكيات وتصرفات، وفي هذا السياق هنالك تشبيه للأعمال، بطريق يمشي فيه الإنسان. وقد يكون فيه دلالة على مسقط ومهبط المولود من بطن أمه فقد أطلق على ممر هبوط الطفل اسم السبيل، وقد أشار -تعالى- أنه أمات الإنسان نظير خلقه له، وأنه أقبر الإنسان وأدخله الأرض نظير تيسير وتسهيل سبيل خروجه من بطن أمه،

وقال آخرون: بل معنى ذلك: طريق الحقّ والباطل، بيَّناه له وأعملناه، وسهلنا له العمل به.

أ . د / مفيدة إبراهيم على – عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى