عاجل

البئر بقلم / إيمان الغندور 

البئر بقلم / إيمان الغندور 

لحظة مخيفة في حياتي، كنت طفلا وأركض في الصحراء، وصرخ بي أحد أعمامي محذرا من فجوة ضخمة عميقة لم أنتبه لها وكدت أسقط فيها لو أنني استمررت في الركض. إنها بئر، أول بئر رأيتها عيانا، وكادت تكون الأخيرة!

هناك شيء أخّاذ وموجس في البئر، فكرة حفرة مظلمة قد تحوي الحياة (الماء) أو الموت (السقوط)، وظلام البئر يثير الرهبة والغموض، وتتساءل عما قد يوجد في تلك الظلمات، فهل يمكن أن تجد كنزاً؟

محتمل! في العام 2016م لو أدليت بدلوك في إحدى آبار مدينة سمالوط المصرية لاندهشت وأنت تجد فيها آثارا تاريخية يونانية ورومانية عمرها آلاف السنين ولا تُقدّر بثمن، ثروة تاريخية مذهلة، دفنتها عصابة تخصصت في سرقة وبيع الآثار وضبطتها شرطة السياحة والآثار.

الآبار دائما تحوي المفاجآت، مثلما اكتشف ذاك الذي أراد أن يستقي من إحدى الآبار في فلسطين وتفاجأ بطفل حي قد تُرك فيها وصار نبيا فيما بعد، لم يعرف الرجل وأصحابه ذلك عندما باعوه بسعر رخيص. موقف شبيه بموقف يونس، كلاهما مكث حبيس مكان مظلم موحش لا يدري أيموت فيه أم يحيا؟

رغم أنه مخيف أن يكون الشخص لوحده في موضعٍ كهذا إلا أنها لحظات من استكشاف الذات، فالخلوة هي الوقت الذي يجس فيه الإنسان غوامض النفس ويسأل الأسئلة المهمة عن الذات والحياة والكون، كما كان رسولنا يختلي في حراء، كهف ولكنه كالبئر من وجهٍ ما في انعزاله وظلمته، ولهذا ظهرت عبارة “سرك في بئر” لدى العرب، أي أنه لن يظهر وسيظل طي الكتمان، إشارة إلى شدة الحفظ والعزل الذي تتميز به تلك الحفرة التي أتت كثيراً في التراث البشري والديني.. البئر!

زر الذهاب إلى الأعلى