مقالات

عيد حب سعيد بقلم : د/ ياسمين ناجي

عيد حب سعيد بقلم : د/ ياسمين ناجي

مدرس مساعد بقسم الصحة النفسية- كلية التربية- جامعة السويس

«يَا مِنْ عَلَّمَنِي فُنُونَ اَلْعِشْقِ وَالْغَرَامِ.. لَا تَتْرُكُنِي فَأَنَا بِدُونِكَ كَالْجَسَدِ اَلْمَلِيءِ بِالْآلَامِ.. قَرِّبْنِي وَدَعْنِي أَحْكِي لَكَ عِشْقِيٍّ اَلْمُتَيَّمِ وَخَالِي اَلْأَوْهَامَ.. نَبْنِي أَحْلَامُنَا وَنَمْضِي بِهَا إِلَى اَلْأَمَامِ»..

قد سبق أن كتبتُ مقالاً في شهر نوفمبر يحملُ نفس المُناسبة التي أتكلم عنها في مقال اليوم ألا وهو «يوم الحُبِّ أو عيد الحُبِّ أو عيد العُشَّاق»، فهو يحمل تاريخي الرابع من نوفمبر، والرابع عشر من فبراير.. وبتلك المُناسبة سوف أقوم بكتابة سلسلة من بعض المقالات عن تلك العاطفة والعاصفة التي أكاد أَجْزِم بأنها شعور من أجمل وأصدق وأنبل المشاعر التي تُلامس الروح والقلب والعين والعقل..
نحن نعلم أن جميع البشر لديهم جُملة من الحاجات العضوية كالحاجة إلى الطعام والشراب والنوم والراحة، ولديهم أيضًا من الحاجات النفسية ومنها الحاجة إلى الحُبِّ، وكلا النوعين من الحاجات لا بد من إشباعها حتى يشعر الفرد منا بالتوازن، ذلك أن عدم إشباعها يجعلنا نحسا بفقدان التوازن أو اختلالها.
فالحُبُّ.. عاطفةٌ إنسانيةٌ تتمركز حول شخصٍ أو شيءٍ أو مكانٍ أو فكرةٍ، وتُسمى هذه العاطفة باسم مركزها فهي تارة عاطفة حُبِّ الوطن حين تتمركز حول الوطن وتارة أخرى عاطفة الأمومة حين تتمركز عاطفة الأم حول طفلها،، وهكذا..
وإنه سِرٌّ الأسرار.. يعلو على الزمان والكلمات.. سِرٌّ قدسيٌ.. سِرٌّ غامضٌ.. شيءٌ غير موصوفٍ.. ضياءُ إلهيٌّ يشمل جنبات النفس فتشع خيرًا وجمالاً ودفئًا.. نورٌ يشمل الكونُ كُلُّهُ مصدرهُ النفوس العاشقة ولا تدري أنها المصدر..
وهو اللامتناهي والأبديُّ والخلودُ فأين الكلماتُ التي تصفُ بدقة هذه المعاني، ومن الذي يصف؟ أهو العاشق؟ وأي عاشقٍ!!.. أم كل العشاق مجتمعين؟ وهل تتشابه خبرات الحُبِّ، أم هو تجربةٌ ذاتيةٌ فريدةٌ شأن كل الظواهر السامية!! فما بالك وهو قمة هذه الظواهر سمُّواً ونقاءٌ وطُهرًا وخيرًا وجمالاً..
كما إنه كالقوى التي لا تُرى، ولكنها تُحسُّ وتؤثّر في وجودنا وتؤثّرُ في حركة الكون، وهو إحدى هذه القوى الكونية العجيبة حين يربط روح إنسان بروحٍ إنسانٍ آخر.. هذه الرابطة التي لا تستطيع أي قوة أخرى أو كل القوى مجتمعة أن تصنعها..
وهكذا ببساطةٍ –كما يبدو ظاهريًّا- يلتقي إنسانُ بإنسانٍ.. يتلاقى وعيان.. قلبان.. روحان.. فيتعانقان.. يمتزجان.. يذوبان.. وتتأصل الروابط في ماضٍ لم يكن قد التقيا فيه، وتمتد إلى مُستقبلٍ لم يعشها بعد.. هكذا من شدة العناق تضيع حدود الزمان ليعشيا التجربة الخالدة الفريدة التي تفوق حدود المشاعر والانفعالات التي يمرُّ بها أي إنسانٍ.. تُطهر وتُدفىء وتُضىء وتٌنعم.. تُسبغ الخير وتُضفي الجمال وتُكسبُ المعنى.. معنى الوجود..
ولعل صعوبة وصف الحُبُّ في أنه مزيجُ من الانفعالات التي تختلط وتتواجد في آن واحد.. ذلك الخليط من الفرح والحزن والسعادة والشقاء والألم والراحة والقلق والاسترخاء والعذاب والطمأنينة والخوف.. كل هذه المشاعر مجتمعة أو متناوبة تُحقِّق حالة من النشوى.. حالة غريبة مُحيرة يتواجد عليها الشخص العاشق.. يَحَار في وصفها ولكنه يتمسك بها لأنها تخلقه خلقًا جديدًا.. خليط من المشاعر يمتزج فيخلق حالة انفعالية لا يُدركها إلا من عايشها.. ومن عايشها يستعذبها.. يُدمنها.. ليتشبَّث بها، فمن خلالها يُدرك ما لا يُدركها أحد، ويرى ما لا يراه أحد.. من خلالها يعيش حياة جديدة.. إنه ميلاد جديد.. ميلاد عبقري. إنها مثل انفعالات المُبدعين في لحظات الإبداع والتي يصعب وصفها، ولكن يُمكن وصف استجابة النفس والجسد لها حين يستشعران ألمًا وسعادة في آن واحد.. إنها من تأثير الإلهام الإلهي على النفس والجسد. وربما تتشابه معها من بعيد تلك اللحظات التي تعيشها الأم وهي تأتي بمخلوقٍ جديد إلى الوجود حين يجتمع الألم والسعادة فينشأ عنهما تجربة انفعالية فريدة لا تُدركان إلا من عايشتها.
المراجع
صادق، عادل. (د.ت). معنى الحب. كنوز من المعرفة.
https://books-library.net/files/books-library.online_nood2ab1a169f359356471759-8995.pdf
طاهر، ميسرة. (د.ت). التربية بالحب. مكتبة الكتاب العربي.
https://books-library.net/files/download-pdf-ebooks.org-1462209185Tt0M4.pdf

زر الذهاب إلى الأعلى