مقالات

وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ”

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية بالازهرالشريف

متابعة ناصف ناصف
لقد نظم الإسلام العلاقات ووضع قيما إنسانية قابضة بحيويتها وفاعلة بقوة تأثيرها في جوانب حياتنا وقادرة على تهذيب الغرائز البشرية وربطها بما يجعلها منتظمة لتناسب البيئة التي يعيشها الإنسان.
والحياء زينة النفس البشرية ، وتاج الأخلاق بلا منازع ، وهو البرهان الساطع على عفّة صاحبه وطهارة روحه ، إننا اليوم في أشد الاحتياج إلى هذا الخُلق، إنه خُلق من أهم وأعظم الأخلاق، خُلق مؤثر في الفرد والأسرة والمجتمع، خُلق أصبح غريباً في هذه الأيام، وحينما ضاع منّا فسد المجتمع، خُلق كلما تمسكنا به زاد المجتمع طهراً ونقاءً، وكلما بعدنا عنه، زادت المشاكل في المجتمع ، ولئن كان الحياء خلقاً نبيلاً يتباهى به المؤمنون ، فهو أيضا شعبة من شعب الإيمان التي تدفع صاحبها إلى الجنة ، كما قال رسول الله : (الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ) ، كما أنه شعار الإسلام ، كما يتضح في الحديث القائل : (إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء) ، والحياء مشتق من الحياة ، ويدور معناه حول التوبة والحشمة والتغير الذي يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ؛ يقال رجل حيي : ذو حياء ؛ وامرأة حيية ، واستحيا الرجل واستحيت المرأة. إن الحياء بهذا المفهوم هو ما تنبع منه القيم وتصدر عنه القوانين الداعية للرحمة والتعاطف واحترام الإنسان وحقوقه فالحياء يسيطر على الأفعال سيطرة تحسينية وتقبيحية وهذا ما يجعل قيمة الحياء قيمة حيوية في جميع مجالات العلاقات الإنسانية وتنظيمها ضمن أسس حيائية..
ولما كان الحياء زينة النفس وزيها الخلاب ، فانه يندرج ضمن ثلاثة اقسام ، الحياء من الله تعالى وذلك بالامتثال لأوامره واجتناب معاصيه ، والحياء من الناس وذلك بالكف عن ايذائهم وحفظ حقوقهم ورعاية حرماتهم ، والحياء من النفس بأن يجعل الانسان حياءه رقيبا عليه في كل أعماله في السر والعلن وقال تعالى:” وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ”الأحزاب: 53، وفي هذا السياق جاء القرآن الكريم مليئا بالقيم الإنسانية العليا التي ترتكز في طبيعتها على العلاقات الإنسانية، سواء ما يخص العلاقة الفردية أو الجماعية، فقد نظم الإسلام شؤون الحياة بشكل يراعي متطلبات النفس وغرائزها، لقوله صلى الله عليه وسلم :” ما كان الفحش في شيء قط الا شانه ، ولا كان الحياء في شيء قط الا زانه”.وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه”. ولقد جاء في قوله تعالى: )”يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) “الأعراف – 26 ولباس التقوى يعني ‌الحياء. ولهذا جدير بكل إنسان أن يلبس ثوب الحياء ويتقلد طريقه بعزة وكرامة وشرف، ليحفظ نفسه ويدخل سباق الحياة ويزاحم في معترك السبق مرتديا زي الحياء كشعار للأخلاق والقيم. ولذلك علينا أن نحرص على هذا الخلق النبيل في كل وقت وحين ، وأن نجعله شعاراً لنا ؛ حتى يكتمل إيماننا .
أ . د / مفيدة إبراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى