احتفالمقالات

قــراءة في فـقـــــه الصلاة 8

القراءة الاسبوعية للاستاذ الدكتورعلاء الحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

الدكتورعلاءااحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

ــ الصلوات الجماعية سبع، منها الفرائض اليومية وقد سلف ذكرها، ومنها صلاة الجمعة؛ لأن يوم الجمعة له فضل عظيم، فهو خير أيام الأسبوع، وهـو “خير يوم طلعت عليه الشمس، فيه خُلِق آدم وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة، وفيه النفخة وفيه الصعقة”، و”من الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما”، وقد نهى النبي عن صيامه نفْلا منفردا، فقال: “إن يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده”، لكن إذا وافق يوم الجمعة عرفة أو عاشوراء صحّ صيامه منفردا بنية المناسبة لا بنية الجمعة.
ــ ومن ثم وجبت صلاة الجمعة على المسلمين، وهي واجبة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، أمْــر إلهي واجب للمؤمنين بصلاة الجمعة، وصدَّر الأمر بنداء الإيمان لتحفيزهم على الاستجابة، وعبَّر عن الأمر بالسعي مع أن النبي نهى عن السعي إلى المسجد وأمر بالمشي فقال: “إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ فلا تَأتوها وأنتُمْ تَسعونَ، ولَكِن ائتوها وأنتُمْ تمشونَ، وعليكُمُ السَّكينةَ فما أدرَكْتُمْ فصلُّوا، وما فاتَكُم فأتمُّوا”، لكن القرآن عبر بالسعي للإشارة إلى ما في صلاة الجمعة من خير عظيم؛ لأن السعي المشي الجاد السريع، والمرء لا يسرع إلا لما يحب، وليس المراد أن يهرول المؤمن إلى المسجد إنما هو تعبير مجازي يدل على خير ما يسعى إليه، وهو الصلاة، ويمشي إليها بسكينة ووقار، والسعي هو العمل للكسب، وهو العمل الصالح المأجور؛ لذا قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}، وكل المعاني متحققة في صلاة الجمعة، فهي عمل صالح يسعى إليه المؤمن بحرص واجتهاد والجمع بين الأمر الإلهي والأمر النبوي يدل على أن السنة شارحة لمقاصد القرآن، والمراد بالذكر الخطبة والصلاة معا، ثم أمـر ربنا بترك أي عمل يفـوِّت الصلاة، وأمره على سبيل الوجوب، وعبّر عن ذلك بالبيع؛ لأن التجارة هي أعلى عمل يحقق ربحا للإنسان ويشغله عن غيره، وكانت التجارة أشهر عمل عند العرب الذين سِيق لهم الخطاب، ثم بيّن ربنا أن البيع فيه نفع للإنسان لكن الصلاة أكثر نفعا، فقال: {ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، والسعي إلى كل الصلوات خير من أي عمل آخر، وخُصَّت صلاة الجمعة لمكانتها الكبيرة في الإسلام، وأن السعي إليها أكثر نفعا من أي عمل آخر، ومع أن الخطاب مطلق للمؤمنين فإن السُّنة قيدته فأوجبت صلاة الجمعة على كل مسلم عاقل بالغ مقيم، وليست واجبة على المرأة والمسافر والصبي والمريض مرضا يمنعه من التحرُّك، وهذا يؤكد ارتباط السنة بالقرآن وأنها وحي من الله.
ــ ويستحب الاغتسال والتطيب، قال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، ومع أن القرآن ربط الإتيان إلى المسجد بالنداء وهو الأذان فإن السنة حثت على التبكير، فجاء في الحديث “مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأنَّما قَرَّبَ كَبْشًا أقْــرَنَ، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ”، والساعات المذكورة في الحديث على سبيل المجاز لاستحباب التبكير، وهذا يؤكد ارتباط السنة بالقرآن وأنها مكملة أو شارحة له، كما يستحب قراءة سورة الكهف والإكثار من الذكر والدعاء، ففي الحديث “إن في يوم الجمعة ساعة إجابة، لا يوافقها مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله ما سأل”، وهي ساعة الخطبة أو بعد العصر أو قبل الغروب، والأحوط أن ندعو فيها جميعا.
ــ ويستحب صلاة ركعتي تحية المسجد لحديث “إذا دخل أحد المسجد؛ فلا يجلس حتى يصلي ركعتين”، واختلف العلماء في صلاة تحية المسجد أثناء الخطبة ما بين المنع والجواز، فالميجزون اعتمدوا على قول النبي: “إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليخفِّفْهما”، والمانعون اعتمدوا على أن الحديث خاص بالصحابي سُلَيك الغَطَفَاني، حيث دخل المسجد والنبي يخطب فجلس، فقال له النبي: “قـم يا سليك فاركع ركعتين وتجوّز فيهما، إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليخفِّفْهما”، وكان سليك فقيرا يحتاج إلى الصدقة، فأراد النبي أن يُعلِم الصحابة بمجيئه ليتصدقوا عليه، والأرجح صلاتها، والأفضل أن ندخل قبل الخطبة.
ــ لكن إذا دخل المصلي المسجد والإمام في صلاة الجمعة فهل تُحسب له الجمعة؟ إذا أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة لحديث النبي “إذا أدرك ركعة فليُضِف إليها أخرى وقد تمت صلاته”، وإذا لم يدرك ركعة دخل الجماعة لينال ثوابها ويصلي أربعا لحديث “إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود، فاسجدوا ولا تعدُّوها شيئا، وهذا هو الأحوط، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى