متابعة/ ناصف ناصف
• الحوار هو أحد العناصر الأساسية والضرورية لإنجاح القصة ،
ووظيفته لا تقف عند سرد الأقوال ، وإنطاق الشخصيات ، وتعميق
الصراعات ، بل تتجاوز ذلك إلى بعث الحركة والحياة في الأحداث
وتصوير الشخصية في أدق انفعالاتها .
• والحوار في القصة القرآنية أسلوب بياني جميل ، فهو نابض
بالحياة المتجددة ، فقد تضمن من ” المعاني ما يجتاز به نطاق قصته الخاصة ليكون خطابا يتردد صداه عبر الزمان والمكان ” (١)
• وكما يسهم هذا الحوار في البناء الموضوعي والفني للقصة ؛
فإنه يسهم في عملية الاستدلال ويحقق ما يرمي إليه القرآن من
تأثير وإقناع (٢) ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي :
• قال تعالى : “ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين.
إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون .
قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين . قال لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في
ضلال مبين . قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين . قال بل
ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين . وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين . فجعلهم
جذاذا إلا كبير لهم لعلهم يرجعون . قالوا من فعل هذا بألهتنا إنه
لمن الظالمين . قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم . قالوا
فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون . قالوا ءأنت فعلت هذا
بألهتنا يا إبراهيم . قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا
ينطقون . فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون . ثم
نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . قال أفتعبدون
من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم . أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون . قالوا حرقوه وانصروا ءالهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على
إبراهيم ” سورة الأنبياء : ٥١ – ٦٩ .
• ورد هذا الحوار في. قصة إبراهيم – عليه السلام – وقد كان الهدف منه. إثبات التوحيد ، ونفي عبادة الأوثان ، وقد سيق في
الاستدلال المبني على شواهد العقل في بطلان آلهة الشرك ؛ فكان
الانتقال في الحوار من السؤال الأول عن حقيقة عبادة هذه الآلهة
” ما هذه التماثيل “، وجاء التركيب بصيغة السؤال عن كنه التماثيل ، وهذه من تجاهل العارف استعمله إبراهيم لتخطئتهم
بعد أن يسمع جوابهم ، والملاحظ استعمال كلمة ” التماثيل “
التي يدل معناها عن انحطاطها عن رتبة الألوهية ؛ لأن التعبير
عنها بالتماثيل يسلب عنها الاستقلال الذاتي .(٣) .
• واحتج قوم إبراهيم بحجة التقليد للأباء فقالوا : ” وجدنا آباءنا لها عابدين ” ، فرد عليهم بأنواع من التأكيدات منها: القسم
على بطلان هذه الحجة .” لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في ضلال مبين “
ثم اثبت لهم. التوحيد الخالص بعد سؤال قومه عن حقيقة ما جاء به ، فقال ” بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن “
وأكد لهم. ذلك بقوله : ” وأنا على ذلكم من الشاهدين “
• والتأكيد مهم في. هذا الاستدلال من أجل تمكين الفكرة في نفوس المعارضين ، وبعد أن قام إبراهيم بتحطيم الأصنام باستثناء الصنم الأكبر ، انتقل الحوار إلى مساءلة إبراهيم – عليه السلام – عن عمله هذا ، وكان. جوابه المفحم ” قال بل. فعله
كبيرهم هذا ” ، فقد أراد إلزامهم بالحجة على انتفاء تعدد الآلهة ،
وذلك بنسبة الفعل إلى الصنم الكبير ، وهذا يقود إلى نفي الألوهية
عن تلك الأصنام التي لم تستطع الدفاع عن نفسها ، ونفي ألوهية
الصنم الكبير الذي لم يستطع حماية حاشيته ، ولا يمكنه. الإفصاح عن. حقيقة ما حدث ، فجاءت عبارة : ” فا سألوهم إن
كانوا ينطقون ” بمثابة الدليل العقلي الواضح على بطلان التعدد ، ولما فهموا حجة إبراهيم اعترفوا بضلالهم ” فقالوا إنكم
أنتم الظالمون ” .
• وهذه هي اللحظة الحاسمة التي انتظرها إبراهيم لإيمان قومه
بالتوحيد الخالص ، ولكن التكبر والعناد قادهم إلى الإنكار الشديد
ثم كان الانتقال من الحوار إلى الانتقام ومحاولة استعمال القوة
في معاقبة إبراهيم ” عليه السلام ” . ” قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم “
وهنا تتدخل القدرة الإلهية لإنقاذ إبراهيم من هذه الفتنة العظيمة وتعطل قانون إحراق النار بقدرة الله وعظمته لإنقاذ إبراهيم ” عليه السلام ” وهي من المعجزات الكبرى .
زر الذهاب إلى الأعلى