تحقيقاتمقالات

” وأتاكم من كل ما سألتموه “

للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعة/ ناصف ناصف

إن كل جزء من أجزاء الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل وأيسر نقص لنغص النعم على الإنسان، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل، فهو سبحانه يدير بدن هذا الإنسان على الوجه الملائم له، مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك فكيف يطيق حصر بعض نعم الله عليه أو يقدر على إحصائها، أو يتمكن من شكر أدناها؟ إنَّ حقَّ الله أثقلُ من أن يقوم به العباد، وإنَّ نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد. قال تعالى :” وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ “. إبراهيم -34 ” وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ” أي: أعطاكم من كل ما تعلقت به أمانيكم وحاجتكم مما تسألونه إياه بلسان الحال، أو بلسان المقال، من أنعام، وآلات، وصناعات وغير ذلك ولذا لم يقل (بعض) بل قال الكريم (كُل).

“وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا” أَيْ: لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا فضلا عن الْقِيَامَ بِشُكْرِهَا وربما جاءت كلمة (نعمة) بصيغة المفرد لتدل على أن كل ما في الدنيا من نِعم يعتبر نعمة واحدة مقارنة بما ادخره الله تعالى لعباده من النعم في الآخرة. وربما جاءت كلمة (نعمة) بصيغة المفرد لأن النعم تتكامل مع بعضها البعض لتكوِّن نعمة واحدة فلو أن الإنسان منا جُمعت له كل النعم وحُرم نعمة واحدةً ما اكتملت سعادته بباقي النعم. ؛ كأن الله يقول : لنا إذا كنت حتى لا تستطيع أن تحصي (نعمة) واحدة مفردة فقط، من نعم الله عليك، فكيف تستطيع أن تحصي (النعم) الجمع كلها.

” إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ” أَيْ: ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ بالمعصية كافر بربه فِي نِعْمَتِهِ وَقِيلَ الظَّلُومُ الَّذِي يَشْكُرُ غَيْرَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ والكافر من يجحد منعمه , وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرئ على المعاصي مقصر في حقوق ربه كفَّار لنعم الله، لا يشكرها ولا يعترف بها إلا من هداه الله فشكر نعمه، وعرف حق ربه وقام به.ففي هذه الآيات من أصناف نعم الله على العباد شيء عظيم، مجمل ومفصل يدعو الله به العباد إلى القيام بشكره، وذكره ويحثهم على ذلك، ويرغبهم في سؤاله ودعائه، آناء الليل والنهار، كما أن نعمه تتكرر عليهم في جميع الأوقات .

وقال أحدالعقلاء :” من أراد مطالعة أصول النعم، فليعمل بفكره في رياض القرآن، وليتأمَّل ما عدَّد الله فيه من نِعَمه وتعرَّف بها إلى عباده من أول القرآن إلى آخره. وكان الحسن البصري رحمه الله يردد في ليلة قوله تعالى:{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} ، فقيل له في ذلك، فقال: إن فيها لمُعتبرًا، ما نرفع طرفًا ولا نرده إلا وقع على نعمة، وما لا نعلمه من نعم الله أكثر . شكر النعم باللسان والعمل، من أعظم العبادات التي يغفل عنها كثير من الناس، قال الله تعالى: “وقليلٌ مِن عباديَ الشكور”سبأ -13, إنَّها عبادة الشكر.

زر الذهاب إلى الأعلى