تحقيقاتمقالات

الحوار

دكتوره شمس راغب عثمان أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية .الجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا.الولايات المتحدة الأمريكية

متابعة/ ناصف ناصف

• الحوار هو أحد العناصر الأساسية والضرورية لإنجاح القصة ،

ووظيفته لا تقف عند سرد الأقوال ، وإنطاق الشخصيات ، وتعميق

الصراعات ، بل تتجاوز ذلك إلى بعث الحركة والحياة في الأحداث

وتصوير الشخصية في أدق انفعالاتها .

• والحوار في القصة القرآنية أسلوب بياني جميل ، فهو نابض

بالحياة المتجددة ، فقد تضمن من ” المعاني ما يجتاز به نطاق قصته الخاصة ليكون خطابا يتردد صداه عبر الزمان والمكان ” (١)

• وكما يسهم هذا الحوار في البناء الموضوعي والفني للقصة ؛

فإنه يسهم في عملية الاستدلال ويحقق ما يرمي إليه القرآن من

تأثير وإقناع (٢) ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي :

• قال تعالى : “ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين.

إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون .

قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين . قال لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في

ضلال مبين . قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين . قال بل

ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين . وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين . فجعلهم

جذاذا إلا كبير لهم لعلهم يرجعون . قالوا من فعل هذا بألهتنا إنه

لمن الظالمين . قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم . قالوا

فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون . قالوا ءأنت فعلت هذا

بألهتنا يا إبراهيم . قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا

ينطقون . فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون . ثم

نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . قال أفتعبدون

من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم . أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون . قالوا حرقوه وانصروا ءالهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على

إبراهيم ” سورة الأنبياء : ٥١ – ٦٩ .

• ورد هذا الحوار في. قصة إبراهيم – عليه السلام – وقد كان الهدف منه. إثبات التوحيد ، ونفي عبادة الأوثان ، وقد سيق في

الاستدلال المبني على شواهد العقل في بطلان آلهة الشرك ؛ فكان

الانتقال في الحوار من السؤال الأول عن حقيقة عبادة هذه الآلهة

” ما هذه التماثيل “، وجاء التركيب بصيغة السؤال عن كنه التماثيل ، وهذه من تجاهل العارف استعمله إبراهيم لتخطئتهم

بعد أن يسمع جوابهم ، والملاحظ استعمال كلمة ” التماثيل “

التي يدل معناها عن انحطاطها عن رتبة الألوهية ؛ لأن التعبير

عنها بالتماثيل يسلب عنها الاستقلال الذاتي .(٣) .

• واحتج قوم إبراهيم بحجة التقليد للأباء فقالوا : ” وجدنا آباءنا لها عابدين ” ، فرد عليهم بأنواع من التأكيدات منها: القسم

على بطلان هذه الحجة .” لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في ضلال مبين “

ثم اثبت لهم. التوحيد الخالص بعد سؤال قومه عن حقيقة ما جاء به ، فقال ” بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن “

وأكد لهم. ذلك بقوله : ” وأنا على ذلكم من الشاهدين “

• والتأكيد مهم في. هذا الاستدلال من أجل تمكين الفكرة في نفوس المعارضين ، وبعد أن قام إبراهيم بتحطيم الأصنام باستثناء الصنم الأكبر ، انتقل الحوار إلى مساءلة إبراهيم – عليه السلام – عن عمله هذا ، وكان. جوابه المفحم ” قال بل. فعله

كبيرهم هذا ” ، فقد أراد إلزامهم بالحجة على انتفاء تعدد الآلهة ،

وذلك بنسبة الفعل إلى الصنم الكبير ، وهذا يقود إلى نفي الألوهية

عن تلك الأصنام التي لم تستطع الدفاع عن نفسها ، ونفي ألوهية

الصنم الكبير الذي لم يستطع حماية حاشيته ، ولا يمكنه. الإفصاح عن. حقيقة ما حدث ، فجاءت عبارة : ” فا سألوهم إن

كانوا ينطقون ” بمثابة الدليل العقلي الواضح على بطلان التعدد ، ولما فهموا حجة إبراهيم اعترفوا بضلالهم ” فقالوا إنكم

أنتم الظالمون ” .

• وهذه هي اللحظة الحاسمة التي انتظرها إبراهيم لإيمان قومه

بالتوحيد الخالص ، ولكن التكبر والعناد قادهم إلى الإنكار الشديد

ثم كان الانتقال من الحوار إلى الانتقام ومحاولة استعمال القوة

في معاقبة إبراهيم ” عليه السلام ” . ” قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم “

وهنا تتدخل القدرة الإلهية لإنقاذ إبراهيم من هذه الفتنة العظيمة وتعطل قانون إحراق النار بقدرة الله وعظمته لإنقاذ إبراهيم ” عليه السلام ” وهي من المعجزات الكبرى .

زر الذهاب إلى الأعلى