دنيا ودين

“لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ” ..د/ مفيده ابراهيم

دمفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الاسلامية والعربية. تكتب فى
“لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ”
متابعة ناصف ناصف
أمر الله تعالى عباده بالإخلاص في العبادة , فقال عز وجل : “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ” البينة:5، بل أمر اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَه بإخلاص العبادة لله، إذ قال تعالى: “إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ” الزمر:2,
فالإخلاص من الدروس الغالية التي تتعلمها النفوس بالصوم، فما سمعنا أنه صام مرائي أو منافق قط، ذاك أن غاية الرياء وهدفه الحقيقي هو مدح المادحين أو طلب المنزلة في أعين الخلق بما يمارسه المرائي من وجوه الطاعات والبر، وهذا الأمر غير حاصل له بالصوم، لأن الصوم سر بين العبد وربه جل وعلا، لذلك كان الإمام أحمد يقول: «الصوم لا رياء فيه».
فلا يصوم إلا المخلصين التاركين لطعامهم وشرابهم وشهوتهم من أجل طاعة ورضا الله تعالى وحده دون سواه، ولما كان الصوم كله خالصاً لله لا تشبه شائبة الرياء نسبه الله تعالى إلى نفسه وتكفل بالجزاء عليه فقال تعالى في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به»
وتكفله سبحانه بالجزاء عليه يعنى أنه تعالى قد كشف مقادير ثواب غيره من الأعمال الصالحة والطاعات، وأنها تضاعف من حسنه إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإنه سبحانه وتعالى يثيب عليه بغير تقدير، فهو جل شأنه الذي انفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وكل هذا من ثمرة الإخلاص في تلك العبادة الجليلة.
وحاجة النفس للإخلاص أشد من حاجة الجسد للطعام والشراب والهواء، فالإخلاص من أهم أسباب تزكية النفوس وطهارتها ونجاتها يوم القيامة، فكل طاعة أو عمل نرجو جزائه عند الله تعالى لابد له من إخلاص يبعده عن النظر للمخلوقين ويوجهه للخالق جل وعلا، وبذلك يكون له عند الله القبول والمثوبة، فهو ركن من أركان العمل وشرط من شروط قبوله، قال تعالى: “فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحدا” الكهف:110.
فالإخلاص روح أي عباده، عليه تقوم، وبه تقبل إن شاء الله ، وشواهد هذه القاعدة عديدة نجدها في أكثر من حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: (ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر). وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة من قلبه صادقا بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).
وثمرة الإخلاص الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ؛ فالأمة المسلمة لا تنصر إلا بإخلاص أبنائها، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) ,
والود والحب والألفة بين المسلمين لا تكون إلا بالإخلاص ,والرفعة والمنزلة في الآخرة لا تكون إلا بالإخلاص، إن الإخلاص خلاص من كل ما يكره المرء، ومن كل قيد، ومن هنا تأتى فضيلة الصوم أعظم مدرب للنفوس على الإخلاص الذي هو من أشق الأمور على النفس، حيث يقول أحد حكماء السلف: (إخلاص ساعة نجاة الأبد ولكن الإخلاص عزيز).
زر الذهاب إلى الأعلى