دنيا ودينمقالات

“ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ”

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعه – ناصف ناصف

لقد أرشدت النصوص الإسلامية إلى وجود الحس الأخلاقي في الضمائر الإنسانية، وأحالت المؤمن إلى استفتاء قلبه في الحكم على أي سلوك قد تميل النفس إليه. لقوله تعالى: “ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا “ الشمس :8,

ولقد أودع الله في مدارك الأفكار، وفي مشاعر الوجدان ما تدرك به فضائل الأخلاق ورذائلها، وهذا ما يجعل الناس يشعرون بقبح العمل القبيح، وينفرون منه، ويشعرون بحسن العمل الحسن، ويرتاحون إليه، وبذلك يمدحون فاعل الخير ويذمون فاعل الشر، و يشير القرآن الكريم إلى الضمير في قوله تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ” ق:16,هذه الوسوسة أو هذا الصوت الخفي، هو صوت الضمير الذي نسمعه كل يوم يناجي عقلك ويصرفك عن الشر.وإذا عرفنا أن الوريد عرق في العنق يرده الدم الذي به الحياة، عرفنا مبلغ قرب الله سبحانه وتعالى منا بعلمه الواسع.

ويقول صلوات الله عليه لوابصة بن معبد وقد ذهب إليه يسأله عن البر والإثم: جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم. قال صلوات الله عليه: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).

والضمير، هو الفطرة السليمة داخل الإعماق الإنسانية، والتي تمسك في يديها المعايير والموازين وتقيس سلوك الشخص، وتعاقب عليه، وعقاب الضمير أليم، ووخزه موجع، فهو يحرم النوم، ويمنع المتعة، ويُفقد اللذة، ويُعكر الصفو، فهو الصوت الصارخ الذي لا يمكن أن تُسكته في داخلك، والتأنيب الذي لا يكف عن تلاوة خطئك، و الضمير هو قدرتنا على المعرفة والتمييز فيما إذا كانت أعمالنا خطأً أم صواباً أو معرفة الحق من الباطل.

ولكن الضمير يتعرض للضمور وربما الموت، فمع خفوت صوت الفطرة داخل الإنسان، وتراجع التدين الصحيح، يبتلع همس الضمير ووخزه، بل تصيب الشخص مناعة من ضميره، فيرتكب العظائم وهو مرتاح الضمير، ومن ثم فكثير من الشخصيات يتم تدميرها بعد انتزاع ضمائرها، فيقترف الإنسانُ الكبائر دون أدنى شعور بذنب أو تأنيب. فكلمة الضمير جارية على لسان المسلم و الكافر، و البر والفاجر، و الرجل والمرأة ، نرى صادقاً أو أميناً فنصفه بأنه إنسان ذو ضمير , ونسمع بمن يغش أو يسيئ معاملة الناس , فنقول : عديم الضمير وكأنه متى وجد الضمير فقد وجدت الخيرات و البركات , ومتى غاب الضمير أو مات كان العكس. لقد عانَت المُجتمعات في هذا العصر من غيابِ الضمير الحيِّ الواعِي… تلك القوة الداخلية التي تدفع الإنسانَ لفعل الخير، وتردعُه عن فعل الشر. ، ذلكم الضميرُ الذي عوَّدَهم في غابرِ الأزمان أنه إذا استغاثَ من بالشمال لامسَت استِغاثتُه أسماعَ من بالجَنوب.

نريد أن نستعيد حالة الخوف الحقيقية من الله وعلي هذا الوطن الكل يعمل ويؤدي عمله بضمير وليس علي (قدر فلوسهم) . فحين يموت الضمير يُصبِح كل شيء مباح و وبالاً على نفسه وخطراً على مجتمعه.

لابد أن نعود إلى ما فطرنا الله عليه والضمير يواكِب الفِطرة، ، فالمعاني الطيِّبة التي تنطوي عليها كلمةُ الضمائر، لا تخرُج عمَّا جاءَ في كتابِ الله وفي سُنة رسولِه- صلَّى الله عليه وسلَّم .

زر الذهاب إلى الأعلى