دنيا ودين

رسول من أنفسكم 

 رسول من أنفسكم

متابعة ناصف ناصف

في نور آية :

دكتوره شمس راغب عثمان أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية .الجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا.الولايات المتحدة الأمريكية

• قال تعالى : ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ” سورة التوبة : مدنية الآية ١٢٨ .

• لم يقل : جاءكم رسول منكم . ولكن قال : ” من أنفسكم “

وهي أشد حساسية وأعمق صلة ، وأدل على نوع الوشيجة (١)

التي تربطهم به . فهو بضعة من أنفسهم ، تتصل. بهم صلة النفس بالنفس ، وهي أعمق وأحس .

• وهو ملمح أسمى في شخصية النبي – صلى الله عليه وسلم – يعبر

عنها سطر واحد يجمع شمائل عظمى : شرف الأصل والنسب والرسالة

وشفقته الكبيرة على مايلقاه أصحابه رضوان الله عليهم ، ومن تبعهم

وحرصه على ألا يصيبهم مكروه ، ورأفته العميمة ، ورحمته الشاملة للمؤمنين .

• روى مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع أنه قال :” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن الله اصطفى كنانة من

ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني

 هاشم واصطفاني من بني هاشم “

• فكان الانتخاب الأعظم لخير البشر صلى الله عليه وسلم ، ولهذا

ذكر الله المخاطبين بقوله : ” من أنفسكم ” أي ليس ملتحقا بكم

بل من أصلكم ، فقد أرسله بشرا ومن أشرف العرب نسبا .

• وكذلك لم يقل ” منكم ” تأكيدا على قرب الصلة وعمقها ، كالتصاق النفس بالنفس ، ولهذا فحري بالناس أن يتبعوه وهو كذلك من قلبهم وأشرفهم وأصدقهم يعرفون سمو أخلاقه وعظيم نسبه .

• إنها شخصية النبي – صلى الله عليه وسلم – القائد الحكيم المبصر

 لما مضى في الطريق ؛ المستشرف لما هو آت ، وإنه الكمال البشري الذي أوجزه العلامة أبو حيان الغرناطي في تفسير الآية

  في ستة أوصاف :

١ – الرسالة وهي صفة الكمال للإنسان بما تتضمنه من صفاته

مؤهلة له .

٢- الاصطفاء : الذي جعله أهلا للوساطة بين الله وخلقه .

٣- الذاتية : بأنه من أنفسهم ، وهي صفة مؤثرة في. التبليغ والفهم عنه والتآنس به وأنه معروف بينهم بالصدق والأمانة

والعفاف .

٤ – عزة مشقتهم عليه ، وهو من نتائج الرسالة .

٥ – حرصه على هدايتهم وألا يصيبهم مكروه .

٦ – الرأفة والرحمة .

• وعن هاتين الصفتين الأخيرتين ، يقول العلامة رشيد رضا في

المنار : ” وصف الله تعالى رسوله بصفتين من صفاته العلى ،

  وسماه باسمين من أسمائه الحسنى ، بعد وصفه بوصفين هما

   أفضل نعوت الرؤساء والزعماء المدبرين لأمور الأمم بالحق والعدل

  والفضل .

• والآية جامعة في تبيان ملامح. شخصية النبي – صلى الله عليه وسلم – ودقيقة في توصيف مقامه – صلى الله عليه وسلم – حتى

 إن. عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فيما أورده الطبراني لما جاءه خزيمة بن ثابت رضي الله عنه بهذه الآية والتي تليها ، ولم

يكن يعلمها إلا منه قال له عمر في واحدة من أعمق العبارات

واكثرها تعبيرا عما يستجيش في قلوب الصحابة حيال النبي صلى الله عليه وسلم – وما تدركهم فطرتهم السليمة عنه : ” والله لا أسألك عليهما بينة أبدا فإنه هكذا كان – صلى الله عليه وسلم ” –

• وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف

                             وانسب إلى قدره ما شئت من عظم .

• فإن فضل رسول الله ليس له

                             حد فيعرب عنه ناطق بفم .

• فمبلغ العلم فيه أنه بشر

                            وأنه خير خلق الله كلهم .

• وكل آي أتى الرسل الكرام بها

                             فإنما اتصلت من نوره بهم .

• فإنه شمس فضل هم كواكبها

                             يظهرن أنوارها للناس في الظلم .(٢)

• يشهد الله سبحانه وتعالى من. فوق سماواته العلى والمؤمنون

على هذه الأرض ، بعظمة النبي – صلى الله عليه وسلم – وحبه

للمؤمنين وشفقته بهم ، وحرصه على هدايتهم وسلامتهم ، وإرشادهم لمجامع الخير لهم في الدنيا والآخرة ، وتجنيبهم لما

 يضرهم .

• إنها العظمة حين تتجسد في شخص واحد : ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم “

• وهي صفات الداعية المربي ، والقائد الحكيم ، والرائد الأريب

الذي يجمع بين الحب والرحمة والرأفة والحرص والعزة وإرادة

 النصح والخير لأصحابه وتابعيه .

• سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ” .

وصلاة وسلاما على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

————————————————– :

(١) الوشيجة : الرحم المشتبكة المتصلة ( لسان العرب ) .

(٢) الأبيات من بردة : الإمام البوصيري .

زر الذهاب إلى الأعلى