دنيا ودين

التسلسل التاريخي لقصة إبراهيم(7)

التسلسل التاريخي لقصة إبراهيم(7)

متابعة : ناصف ناصف

مازلنا مع روائع الاستاذ الدكتور علاء الحمزاوي الاستاذ بجامعة المنيا وسلسلة من القصص التاريخية لابراهيم عليه السلام.

ــ لما نجح إبراهيم وإسماعيل في الاختبار العظيم كافأهما الله بمكافأتين: المكافأة الأولى لإسماعيل وهي الفداء بكبش عظيم، قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}، أسلما: استسلما لأمر الله، وتَلَّهُ للجبين: التل لغةً هو الرمل الكثيف، وتله رماه، يقال: والجبين: أحد جانبي الجبهة،

والمراد أن إبراهيم أنام إسماعيل على جنبه استعدادا للذبح، فأوقف الله قانون السِّكين لإسماعيل وهو الذبح كما أوقف قانون النار لإبراهيم وهو الحرق؛ إكراما لهما وإعلاء لقدرهما،

لذلك فجواب {لـمَّـا} محذوف تقديره تغمدناه برحمتنا، وتصلح الواو زائدة وجملة {ناديناه} جواب {لمَّا}، و{ذبح} بمعنى (ذبيح)، و{عظيم} سمين يسرُّ الناظرين أو ذو شرف وقــدْر؛ لأنه هابط من السماء فداءً لنبيّ وقربانا لله، ونتيجة لذلك صار الذبح شعيرة من شعائر الحج للقارن والمتمتع، وصار سُنة للمسلمين في عيد الأضحى، وصار يوم النحر عيدا لهم شكرا لله على نجاة إسماعيل، ثم رجع إبراهيم بولده إلى هاجر، لكن إلى أين آل لحم الكبش؟ قيل: إنه رُفِع إلى السماء، وقيل: إن إبراهيم تركه للطيور تأكله، وقيل: إن إبراهيم أخذ منه جزءا لبيته ووزع الباقي على الناس وهو الأرجح؛ لأن ذلك هو فعل النبي بالأضحية، أكل منها وأطعم الآخرين، ولما سئل عنها قال: “سُنّة أبيكم إبراهيم”.

ــ ثم ترك إبراهيم زوجته وابنه عائدا إلى فلسطين، ولم يــرَ هاجر بعد ذلك؛ حيث توفيت قبل زيارته الثالثة لمكة، وقد استقر في فلسطين يدعو الناس إلى عبادة الله، كما ظل لوط في الأردن يدعو إلى عبادة الله، لكن الناس كفروا به، وذات يوم جاء إلى إبراهيم ضيوف، وكان رجلا مضيافا؛ فقبْل أن يسألهم عن هُــويتهم وسبب مجيئهم أسرع إلى ذبح عجل سمين فشواه ثم قدّمه إليهم فلم يأكلوا فخاف منهم،

ودار بينهم حوار سجله القرآن في قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ. فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ. فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ. قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}.

ــ هذا الخطاب موجه للنبي، وبدأ باستفهام للإشارة إلى أهمية القصة، وأن النبي لا علم له بها إلا من خلال الوحي، وذلك من دلائل نبوته، وقيل: {هـل} بمعنى (قد) للتأكيد، والمعنى قد قصصنا لك قصتهم، وكلمة {ضيف} اسم جمع بمعنى ضيوف، و{المكرمين} الملائكة أكرمهم الله بالاصطفاء وأكرمهم إبراهيم بحسن الضيافة، وجاءوا في هيئة بشر، فلم يعرفهم فنكرهم، وفي الخطاب إشارة إلى استحباب رد التحية بأفضل منها،

حيث كانت تحيتهم {سلاما} بالنصب مفعولا به، وكانت تحيته {سلام} بالرفع خبرا لمبتدأ محذوف، والجملة الاسمية أكثر تأكيدا من الجملة الفعلية؛ لأنها تدل على الثبات والاستمرار، في حين ترتبط الجملة الفعلية بزمن محدد، وفي الخطاب تحفيز على الكرم وسرعة الضيافة للنزلاء وتقديم أفضل الطعام، وهو ما صنعه إبراهيم مع ضيوفه، فقدّم لهم عجلا سمينا حنيذا (مشويا).

ــ ولما لم يأكلوا خاف منهم، فطمأنوه بحقيقتهم وأخبروه أنهم جاءوا لهدفين: هدف فرعي وهو البشرى بإسحق، {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}، وكانت البشرى لزوجته أيضا كرامة لها، قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}؛ ولذلك صرخت سارة متعجبة مستنكرة، فـ{صرّة} صيحة، و{صكّت} لطمت خدها، و{قَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أي كيف ألد وأنا امرأة مُسنّة غير مؤهلة للإنجاب؟!

ــ وصف القرآن إسحق {بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}، والعلم صفة الأنبياء، وقد ورث هذا العلمَ أنبياءُ بني إسرائيل وعلماؤهم، وقد جاءت البشرى به من الملائكة لإبراهيم وسارة معا، في حين وُصِف إسماعيل {بِغُلامٍ حَليمٍ}، والحِلْم يتضمن معاني الصبر والإرادة والسكون والتعقُّل، وظهر ذلك في طاعته لأبيه في الابتلاء، وجاءت البشرى به من الله لإبراهيم نتيجة لدعائه عقب خروجه من العراق؛ حيث {قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، وقد استنبطت سارة من بشرى إبراهيم بالغلام الحليم أنها هي العقيم؛ ما دفعها أن تزوّجه هاجر، ثم تيقنت من عقمها لما أنجب إبراهيم إسماعيل؛ لذلك استنكرت على الملائكة بشراهم.

ــ أما الهدف الأساسي من إرسال الملائكة فهو عذاب قوم لوط، حيث قال لهم إبراهيم: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}، فالخطاب أبان عن سبب إرسال الملائكة، ووصف قوم لوط بأنهم مجرمون لإسرافهم في الكفر وفعل الفواحش؛ فاستحقوا العذاب الأليم، فخاف إبراهيم على لوط أن يغشاه الهلاك مع قومه فطمأنوه، {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} أي من الهالكين المعذبين، وكان عذابهم الخسف وقتلهم بحجارة صلبة قوية وفقا لقوله: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} أي من طين صلب متتابع، فماذا حدث بعد ذلك؟

زر الذهاب إلى الأعلى