مقالات

لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ:الدكتورة مفيدة ابراهيم

لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ

. الأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية
نقله لكم ناصف ناصف
“”
إن الإنسان يمثل مملكة كاملة، يقوم الفكر فيها بوظيفة التنبيه والإرشاد وإعطاء قوانين الإدارة والسلوك في هذه المملكة. ويستمد الفكر ذلك كله من عدة مصادر: من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومن الشريعة الربانية، ومن التجارب العملية، والمعارف التي توصل إليها الناس. وإن الإنسان لتتنازعه الرغبات والحاجات والأهواء، وبعض هذه الرغبات صالح وبعضها فاسد. وعلى مقدار استقامة العبد في سلوكه وأفعاله نستطيع قياس قوة إرادته. وعلى قدر انحرافه في سلوكه، وتخبطه مع أهوائه وشهواته وغرائزه نستطيع قياس ضعف إرادته.
وحين تشتد هذه الأهواء والرغبات في النفس وتلح على أصحابها باكتسابها من أي طريق ولو كان غير مباح فإن الإرادة القوية الحازمة تسيطر على هذه الأهواء وتكبح جماحها.
ولما كانت الإرادة تملك أن تقبض وأن تبسط حياة الإنسان، وتحدد شهواته وعواطفه، كان على الإسلام أن يهتم بتكوين الإرادة للإنسان حتى يستطيع أن يطيع الإسلام.
ولقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء، الذين هم القمة في قوة الإرادة وتحمل الأذى حتى بلوغ الهدف بدون تقصيرٍأو إخلالٍ عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فقال تعالى: “أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ” الأنعام:90 . وأمرنا عزّ وجلّ أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عز من قائل: “قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ” الأحزاب:21 . فعلى كل من يريد أن يُعلي همته، ويشحذ إرادته أن ينظر إلى صحابة رسولنا الكريم، وإلى أصحاب الهمم العالية من صالحي هذه الأمة، فعلينا بالبحث عن هؤلاء ليكونوا نموذجاً لنا في رحلتنا الحياتية نحو النجاح وبالإضافة إلى القدوة فنحن نحتاج إلى صحبةٍ صالحةٍ من ذوي الهمم العالية من العلماء العاملين، والدعاة المخلصين ؛ لنتطبع بطباعهم الحسنة، وبخصالهم الحميدة وبهمهم العالية وإرادتهم الفولاذية، وقد أمر الله نبيه الكريم بأن يصبر نفسه مع أمثال هؤلاء، فقال: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ” الكهف:28 ، وهكذا فإن درجة إرادتك بل درجة إيمانك ودينك ستنتظم غالباً على درجة من تصحبه، قال رسول الله: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (حسنه الألباني / صحيح سنن أبي داود: 4833)،
إن إرادة الإنسان، عندما تخشع أمام إرادة الله سبحانه وتعالى، لا تذوب لتموت، وإنما لتحيى وتدوم، و إذا إنصهرت الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية، تعود الى الحياة أقوى ما تكن على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، حيث تتخذ من الإنضمام الى إرادة الله، مصدر قوة وثقة.
أ.د/ مفيدة إبراهيم على – عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى