مقالات

قــراءة في فـقـــــه الصلاة 12

للاستاذ الدكتورعلاء الحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

نقلها ناصف ناصف
هل الأذان وحي أو رؤيا بشرية؟!
ــ الأذان نداء بصوت عال للإعلان عن أمر ما، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، والأذان في الإسلام هو الإعلان عن دخول وقت الصلاة المفروضة، وثمة اختلاف حول وقت مشروعيته، والأرجح أن النبي والمسلمين كانوا يصلون في مكة بدون إعلام بالصلاة خوفا من كفار قريش، فلما هاجروا وصارت لهم شوكة ودولة جهروا بالشعائر، بل كان المسجد من ركائز الدولة لإقامة الصلوات وعقد الاجتماعات، وكانوا يصلون بدون أذان، ثم حدث نقاش لإيجاد وسيلة تُـعـلِـم الناس بدخول الوقت لأداء الصلاة، فطُرِحت عــدة آراء، فقيل: نرفع راية وقت الصلاة ليراها الناس، وقيل: نشعل نارا على مكان مرتفع، وقيل: نستعمل البُوق (آلة نفخ تحدث صوتا)، وقيل: نستعمل الناقوس (جَــرَس يحدث صوتا)، فلم تلقَ هذه الآراء قبولا، إلا أنهم وافقوا كارهين على الناقوس إعلاما بوقت الصلاة.
ــ ثم تشرَّف بسماع الأذان في المنام اثنان: عمر بن الخطاب وعبد الله بن زيد، فكتم عمر الأمر استحياءً من رسول الله، وصرح به عبدالله للنبي، فقال له: طاف بي وأنا نائم رجل في يده ناقوس، فقلت: أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله اكبر الله أكبر… إلى آخره، ثم استأْخَرَ غيرَ بعِيدٍ، ثم قال لي: وإذا أقَمْتَ الصلاةَ تقول: الله أكبرُ الله أكبرُ.. إلى آخر الإقامة”، فقال النبي: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت، فسمع ذلك عمر فجاء مسرعا يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أسمع، فقال النبي: لله الحمد، وقصة الأذان تحمل دلالات كثيرة، منها أن السُّنة النبوية إقــرار كما هي فعل وقول، وأن في الأمــة خيرا عظيما، وأن رؤى المؤمنين الصالحة جــزء من النبوة، وأن رؤاهم قد توافق الوحي، وهي تدلّ على صدقهم، فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا.
ــ وبذلك أقــــرَّ النبي الأذان، واختار بلالا مؤذنا لأنه أندى صوتا أي أجمل وأعذب وأجهر؛ لذلك يُستحَبُّ أن يتسم المؤذن بجمال الصوت، والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة، وأمر النبي بلالا أن يثنّي كلمات الأذان ويوتر كلمات الإقامة إلا “قد قامت الصلاة” فيثنّيها، ثم أضاف بلال عبارة “الصلاة خير من النوم” إلى أذان الفجر، فأقــرّه النبي عليها، ومن ثم صار الأذان توقيفيا، فلا يجوز للمؤذن إضافة أي كلام للأذان، ويعد الأذان إقرارا يوميا بالعلو والكبرياء لله وإقرارا بالشهادتين مع الحث على العبادة والعمل، ثم أصبح الأذان شعاراً لأول دولة إسلامية.
ــ والأذان إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام ببدء الصلاة؛ لذلك يستحب استعمال المكبر الخارجي في الأذان والمكبر الداخلي في الإقامة، وتُسمَّى الإقامة أذانا مجازا من باب التغليب، ففي الحديث “بين كل أذانين صلاة”، ولا يصح الأذان قبل دخول الوقت حتى لا يصلي أحد به فتبطل صلاته؛ فإن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ويُستثنَى من ذلك الفجر وظهر الجمعة، ففيهما أذانان، أولهما قبل دخول الوقت، والآخر مع دخول الوقت، والدليل حديث “إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم”، فأباح النبي لهم بعد أذان بلال أن يأكلوا ويشربوا ويتسحروا للصيام حتى يؤذن ابن أم مكتوم، وكان يؤذن عند دخول الوقت، وخُـص الفجر لأنه وقت النوم، فالناس يحتاجون إلى التأذين قبل الوقت؛ ليتسحر الصائم ويتنبه النائم ويتأهب للصلاة، خلافا لسائر الصلوات فالناس أيقاظ، وخُـصَّ ظهر الجمعة ليتأهب الناس للصلاة فيغتسلوا ويتطيبوا ويبكروا إلى المسجد، ولا تصح الصلاة فيهما قبل وقتها.
ــ ويستحب للسامع ترديد الأذان والإقامة إلَّا «حَيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفَلاحِ» فيقول فيهما: «لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ»، ولا داعي لعبارة “أقامها الله وأدامها”؛ فلم تثبت يقينا عن النبي، جاء في الحديث “إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فإنَّه مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فمَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ”، والوسيلة أن يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ»، وأخيرا الأذان والإقامة فرض كفاية للجماعة، وهما مستحبان للمصلي منفردا وبخاصة الإقامة، والصلاة صحيحة بدونهما.

زر الذهاب إلى الأعلى