عاجل

قــراءة في فـقـــــه الصلاة 11

قــراءة في فـقـــــه الصلاة 11

للاستاذ الدكتور علاء الحمزاوى الاستاذ بجامعة المنيا
نقله لكم ناصف ناصف
ـ قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ومن اليُسر الإلهي الذي يريده الله من المؤمنين الترخُّص في العبادات بتخفيفها أو رفعها مؤقتا لعـذر في المكلَّف، وهو أمر يحبه الله للمؤمن، ففي الحديث “إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه” أي فرائضه، والترخص في الصلاة تخفيفها، وله عــدة مظاهر، منها قصر الصلوات الرباعية في السفر ركعتين، واختلف العلماء في تحديد مفهوم السفر ومسافته على رأيين: أحدهما أن كل انتقال من بلد الإقامة إلى بلد آخر طالت المسافة بينهما أم قصرت يُسمَّى سفرا يجيز للمصلي القصر؛ لأن الخطاب مطلق في قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ضربتم: سافرتم، وقد قـيَّـدت الآيـة القصر بالخوف من فتنة الكافرين؛ فلفت ذلك نظر الصحابة فسألوا سيدنا عُـمر: “أيقصر الناس ولا توجد فتنة؟ فقال عُمر: عجبتُ ممَّا عجبتم منه! فسألتُ رسولَ اللهِ عن ذلك، فقال: صَدَقةٌ تَصدَّقَ اللهُ بها عَليكم، فاقْبَلُوا صَدقتَه”، وعن ابن عُمر أنه قال: “إني لأُسافِرُ الساعةَ من النَّهارِ فأَقْصُر.. ولو خَرجتُ مِيلًا قصرتُ الصَّلاة”، وهو أقل من 2 كم، وهذا يعني أن المرجعُ في تحديد السفر هو “العُــرْف”، فما كان سَفرًا في عُرْف النَّاسِ فهو السَّفَرُ الذي يجلب القصْر في الصلاة، إذ عَلَّقَ به الشارعُ الحُكمَ بصرف النظر عن مسافته، والرأي الآخـر أن السفر يطلق على ما فيه تعب ومشقة، وقُـــدِّر ذلك بمسافة ثمانين كم فأكثر، فقد سُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ: هل المنتقل من مكة إلى عَرَفَة يقْصُرُ الصَّلاةَ؟ (25كم) فقال: لا، ولكن إلى جــدَّة والطَّائِف” (80كم)، وهذا هو الأرجح؛ لأن الاعتماد على إطلاق الخطاب يمكن أن يترتب عليه تضييع العبادة وثوابها، ويُشترَط ألا يكون السفر في معصية؛ فالمعاصي تتنافى مع اليسر الإلهي.
ــ ومــدة القصر على الأرجح ثلاثة أيام إقامة غير يومي السفر والعودة، فإذا نوى المسافر أن يقيم أربعة أيام فأكثر فإنه يقصر في الطريق ولا يقصر في إقامته؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي إذا أقمتم في بلد سفركم فأتموا صلواتكم، وإذا لم يـنـوِ المسافر الإقامة لكنها طالت لسبب ما قَصَر الصلاة، فقد أقام النبي بمكة عام الفتح تسعة عشر يوما يصلي بالناس قصْرا؛ لأنه لم ينو الإقامة بها، ويبدأ القصر من بعد الخروج من بلد الإقامة؛ لعموم قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}.
ــ ويجوز للمسافر الجمع مع القصر، فيجمع الظهر مع العصر ويجمع المغرب مع العشاء تقديما أو تأخيرا وفقا لظروفه، فقد ورد أن النبي قَصَر وجَمَع في غزوة تبوك وفي يوم عرفة، وقصر ولم يجمع بمنى في حجة الوداع، فــدلَّ على التوسعة في الأمر، ويجوز للمقيم الجَمْع في الحالات الشديدة للمرض والبرد والمطر والخوف، ولا يجوز له القصر؛ لأن القصر مختص بالسفر، ويحرم الجمع بين العصر والمغرب.
ــ ولو تعارض القصر مع صلاة الجماعة التامة فالأفضل أن يتـم المسافر صلاته مع الجماعة إلا إذا كان في الإتمام مشقة، فعندئذ يصلي منفردا قصرا وجمعا، ويجوز له أن يصلي الصلاة الأولى جماعة مع الإمام تامة ثم يقصر الصلاة الثانية منفرداً، وإذا دخل المسافر في الجماعة فإن أدرك ركعة فأكثر أتـــمَّ صلاته، وإن لم يدرك ركعة صلى قصرا ونال ثواب الجماعة، ومنع بعض العلماء الجمع بين صلاة الجمعة والعصر، والأرجح جواز الجمع؛ لأنه لا يوجد دليل منع أو نهي، فيصلي المسافر الجمعة مع الإمام ثم يأتي بالعصر قصراً وجمعا.
ــ ومن تخفيفات الصلاة إسقاط بعض شروطها وأركانها؛ فهي العبادة الوحيدة التي أمرنا الله بالمحافظة عليها، فقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ}، فلا تسقط عن المسلم أبدا ما توافرت فيه شروط الوجوب، بل يجب أن يؤديها في وقتها حال الحَضَر والسَّفَر والصحة والمرض والرخاء والشدة، ومباح له عند المشقة أن يصلي قاعدا ونائما وبحركة يده وبحركة عينه، ويصلي بوضوء ويصلي بتيمم ويصلي بدونهما إن تعذر التطهر، فلا عائق أبدا يعوقه عن الصلاة، ففي غزوة بني المصطلق فقدت السيدة عائشة عقدها، فبعث النبي رجالاً يبحثون عنه، فحضرت الصلاة فلم يجدوا ماءً فصلُّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي شكوا إليه ذلك، فنزلت آية التيمم، ولم يأمرهم النبي بالإعادة، فاستنبط العلماء من ذلك صحة الصلاة بغير تطهر حال التعذر ولا تسقط الصلاة ولا تؤجل، واستندوا في ذلك إلى قاعدة {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى