مقالات

قــراءة في فـقـــــه الصلاة 2

للاستاذ الدكتور علاءااحمزاوى بجامعة المنيا

 

متابعة ناصف ناصف

ـ للصلاة أوقات ثابتة محددة، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي لكل صلاة وقت تؤدَّى فيه لا تتجاوزه، وقد أجمل ربنا أوقات الصلوات في قوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾، الخطاب للنبي وهو خطاب للأمة، و(لدلوك) اللام للتوقيت، والدلوك الميل والانتقال، وفعله دلك: مال وانتقل، والغسق: الظلام الشديد، والمعنى: داوم على الصلاة من وقت ميل الشمس جهة الغرب إلى وقت الظلام الشديد، والصلوات المرادة هنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} بالنصب عطفا على مفعول {أَقِـــمِ}، أي وأقــم صلاة الفجر، وسميت قرآنا مجازا من باب تسمية الشيء باسم جزئه، والقراءة ركن من أركانها، وخُــصَّت صلاة الفجر بالذكر وبتسميتها قرآنا لإعلاء شأنها ولأن الملائكة تشهدها، وهو معنى قوله: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾؛ ولذا كان النبي يطيل القراءة فيها.
ــ وحدد الأمين جبريل أوقات الصلوات، حيث “جاءَ إلى النَّبيِّ حينَ زالتِ الشَّمسُ فقالَ: قُم يا محمَّدُ فصلِّ الظُّهرَ حينَ مالتِ الشَّمسُ، ثمَّ مَكَثَ حتَّى إذا كانَ فَيءُ الرَّجلِ مثلَهُ جاءَهُ للعَصرِ فقال: قُم يا محمَّدُ فصلِّ العصرَ، ثمَّ مَكَثَ حتَّى إذا غابتِ الشَّمسُ جاءَهُ فقالَ: قُم فصلِّ المغربَ، فقامَ فصلَّاها حينَ غابتِ الشَّمسُ سواءً، ثمَّ مَكَثَ حتَّى إذا ذَهَبَ الشَّفقُ (احمرار السماء) جاءَهُ فقالَ: قُم فصلِّ العشاءَ فقامَ فصلَّاها، ثمَّ جاءَهُ حينَ سطعَ الفَجرُ في الصُّبحِ فقالَ: قُم يا محمَّدُ فصلِّ، فَقامَ فصلَّى الصُّبحَ، ثُمَّ جاءَهُ منَ الغَدِ حينَ كانَ فَيءُ الرَّجلِ مثلَهُ فقالَ: قُـمْ يا محمَّدُ فَصلِّ، فصلَّى الظُّهرَ، ثمَّ جاءَهُ حينَ كانَ فَيءُ الرَّجُلِ مِثلَيهِ فقالَ: قُــم يا مُحمَّدُ فصلِّ فصلَّى العَصرَ، ثمَّ جاءَهُ للمغرِبِ حينَ غابتِ الشَّمسُ وقتًا واحدًا فقالَ : قُم فصلِّ فصلَّى المغربَ، ثمَّ جاءَهُ للعِشاءِ حينَ ذَهَبَ ثلثُ اللَّيلِ الأوَّلُ فقالَ: قــم فصلِّ، فصلَّى العشاءَ، ثمَّ جاءَهُ للصُّبحِ حينَ أسفرَ جدًّا فقالَ: قُم فصلِّ، فصلَّى الصُّبحَ، فقالَ: ما بَينَ هذَينِ وقتٌ كلُّهُ”، أي أن وقت الصلاة من لحظة الأذان إلى قبيل أذان الصلاة التالية، إلا وقت الصبح فهو ينتهي قبيل شروق الشمس، ووقت صلاة العشاء فهو ينتهي بنهاية الثلث الأول أو منتصف الليل أو قبيل أذان الفجر على خلاف بين العلماء، لكنهم أجمعوا على أن صلاة العشاء تعد قضاء بعد أذان الفجر، كما اتفقوا على أن من أدرك ركعة قبل الشروق والغروب فقد أدرك الصبح والعصر.
ــ وللصلاة خصوصية عن سائر العبادات، فهي العبادة الوحيدة التي أمرنا الله بالمحافظة عليها في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ}، وهي الفجر أو العصر، ولا تسقط الصلاة عن المسلم أبدا مادام واعيا، بل يجب أن يؤديها في وقتها حال الحَضَر والسَّفَر والصحة والمرض والرخاء والشدة، ومباح له عند الضرورة أن يصلي قاعدا ونائما وبحركة يده وبحركة عينه، ويصلي بوضوء ويصلي بتيمم ويصلي بدونهما إن تعذر التطهر، فلا عائق يعوقه عن الصلاة ما توافرت فيه شروط الوجوب، فقد ثبت أن النبي بعث رجالاً في طلب القلادة التي فقدتها السيدة عائشة في غزوة بني المصطلق، فحضرت الصلاة فصلُّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي شكوا إليه ذلك، فنزلت آية التيمم، ولم يأمرهم النبي بالإعادة، فاستنبط العلماء من ذلك صحة الصلاة بغير تطهر حال التعذر ولا تسقط عنه ولا تؤجل، واستندوا في ذلك إلى قاعدة {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
ــ والصلاة تجعل المؤمن في معية الله على مدار اليوم، حيث تبدأ بصلاة الفجر ليكون أول عمله اليومي هو التقرب إلى الله، ثم تأتي صلاة الضحى ثم صلاة الظهر ثم صلاة العصر ثم صلاة المغرب ثم صلاة العشاء ثم قيام الليل ثم صلاة الفجر، فهو دائما في معية الله، ومن فضل الصلاة أنها تنهى عن كل شـرٍّ، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} كل شـــرّ منكر، وهي مكفِّرة للذنوب ما اجتُنِبت الكبائر، جاء في الحديث “أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنِه (وسخه) شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مَثَـلُ الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا”، و”ما من امرئٍ مسلم تحضُرُه صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسِنُ وَضوءَها وخشوعَها وركوعَها إلا كانت كفارةً لما قبلَها من الذنوبِ، ما لم تُؤْتَ كبيرةٌ، وذلك الدَّهرَ كلَّه”، وصح أن “من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا يوم القيامة”، وجعل الله عقوبة تاركها عمدا النار يوم القيامة، قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، فأول سبب لدخول النار ترك الصلاة، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى