عاجل

خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ

” خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ”

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

 

متابعة ناصف ناصف

المتأمل في القرآن الكريم يجد تلازماً ظاهراً وبيّناً بين (القوة والأمانة) في عدة مواضع، ومنها : ما وصف الله به مبلغ الوحي والرسالات إلى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ـ جبريل ـ في قوله ـ:”إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ , ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ , مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين” التكوير- 19 :21 , وجاءت ضمن قصة موسى عليه السلام مع صاحب مدين والذي كان عاجزاً عن طلب الماء فخرجت ابنتاه للسقيا، بيد أنهما تأخرتا انتظاراً لدور الناس عن البئر، إلا أن مروءة موسى عليه السلام وشهامته حملته على أن يبادر بقضاء حاجتهما، والسقيِ لهما، فأعجبَ هذا الفعلُ الفتاتين، فذكرتاه لوالدهما ، فأرسل في طلبه، فلما جاء وحدثه بخبره، قالت له إحداهما في قوله تعالى “يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ”القصص- 26 , ففي قوله: ( الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: أما قوّته: فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة, فرفعه وحده. وأما أمانته: فإنها مشت أمامه فوصفها الريح, فقال لها: امشي خلفي وصفي لي الطريق. وذلك تعليل لطلبها، فالقوة في العمل، والأمانة في أدائه هو الوجه المطلوب. 

والقوة والأمانة من أعظم عناصر النجاح والكمال فيمن يؤدي عملاً من الأعمال. قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام للملك: “اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”يوسف: 55.أي: حفيظ للذي أتولاه، فلا يضيع منه شيء في غير محله، وضابط للداخل والخارج، عليم بكيفية التدبير والإعطاء والمنع، والتصرف في جميع أنواع التصرفات، وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية، وإنما هو رغبة منه في النفع العام، وقد عرف من نفسه من الكفاءة والأمانة والحفظ ما لم يعرفه غيره . ولهذا أبرزَ يوسفُ عليه السلام هاتين الصفتين القوة والأمانة، ومدح نفسه بهما، لا لذات المدح، بل لأن الوضع آنذاك كان يقتضي مبادرة في ضبط إدارة الأمور، بحكمة وتعقل . ، فهذه الوظيفة تحتاج الى الأخلاق والعلم، فصاحب الخلق من دون علم لا يصلح، وصاحب العلم بلا خلق لا يصلح واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكوا إليك جلد الفاجر وعجز الثقة، فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. 

والقوي الأمين مطلبٌ لكل منصب, وهدف لكل ولاية, ومقصد لكل عمل, وهما خلتان بهما تحسن الأعمال وتصلح الأحوال وفيهما يرغب الرجال. إذا تولى المناصبَ من تحقق فيه ذلك فالخير منتظر, وإذا تولى المناصب من تخلف عنه ذلك فقد وسد الأمر إلى غير أهله.. إن أكثر ما تشكو الأمة ممن تخلُّف عن هاتين الصفتين, فالقوي إن لم يكن أميناً كانت قوته في الشر، والأمين إن لم يكن قويا لم يكن ذا أثر, فإن لم يكن قويا ولا أميناً فذلك بلية البلايا وما أكثرهم في زماننا… في وقت عَلَّمنا فيه ديننا أن الأمانة تأتي ولا تؤتى، وأن المسؤولية تبحث عن صاحبها، وليس هو الذي يفتش عنها.

     أ .د /مفيدة إبراهيم علي عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى