ثقافة

قــراءة في فـقـــه الطهارة (1)

يقدمها للاستاذ الدكتور علاء ااحمزاوى بجامعة المنيا

ــ الطهارة ضد النجاسة، ومن ثم فهي النظافة والتخلص من النجاسة سواء أكانت نجاسة حسية كالبَول والغائط أم نجاسة معنوية كالعيوب والمعاصي، قال تعالى: (إنما المشركون نجس) أي نجاسة معنوية، وقال تعالى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي يتنزهون من العيوب، والنجاسة تحبط العمل، فقد “مــرَّ النبي بقبرين، فقال: إنهما يُعذَّبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول”، وفي رواية “لا يستتر من البول”، أي لم يكن ينتهي من بوله بشكل تام ولا يتحرز منه فيطهر نفسه جيدا، وبالتالي يظل العضو نَجِسًا، فينزل البَول على الثوب والبدن فينجسان، فتبطل الصلاة؛ لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة، فــ”لا يقبل الله صلاة بغير طُهور”، وجاء في الحديث “مفتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم”، بل “الطُّهور شطر الإيمان”، والطهارة في الفقه الإسلامي هي إزالة النَّجَس ورفع الحَدَث.
ــ والنَّجَس هو النجاسة وتكون في ثلاثة مواضع: تكون في البدن، وتكون في الثوب والنعلين، وتكون في مكان الصلاة، ولا تصحّ الصلاة معها؛ فيجب طهارتها، قال تعالى عن طهارة الثوب: “وثيابك فطهر”، وروي أن النبي خلع نعليه أثناء الصلاة فألقى المصلون نعالهم، فلما سلّم سألهم: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال: أتاني جبريل فأخبرني أن فيهما قَذَرًا أو أذى” أي شيئا من النجاسة، لكنه جزء صغير لا يفسد الصلاة، ولو كان مفسدا لها لأُمِـر النبي بخلعهما قبل الدخول فيها، ويؤخذ من الحديث أن الصلاة بالنعلين جائزة بعد التأكد من طهارتهما، ثم نُسِخ الحديث بحديث “من شاء فليصلِّ في نعليه ومن شاء فليخلعهما”، وخلع النعال هو الأصل حفاظا على المسجد ومراعاة لعدم تأذي المصلين برائحة النعال وقذارتها إعمالا لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، كما يؤخذ من الحديث سرعة الاقتداء بالنبي في فعله قبل معرفة علته.
ــ ونجاسة البدن تكون في نزول دم الحيض وهو يمنع الصلاة، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، أما دم الاستحاضة فلا يمنع الصلاة، “سألت امرأة النبي فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ (أي لا يَنقطِعُ عنِّي الدَّمُ، والاسْتِحاضةُ دَمٌ فاسِدٌ يَخْرُجُ زِيادةً مِنَ المرأةِ بعْدَ انْتِهاءِ فَتْرةِ حَيضِها الطَّبيعيَّةِ)، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، (أي هو دمٌ مَرَضيٌّ يَنشَأُ عن انقطاعِ عِرقٍ في الرَّحِمِ يسمى العاذل) وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ” أي وقت الصلاة التالية.
ــ ونجاسة المكان إصابته بقدْر كاف من الأذى والقذارة كالبول والغائط والرَوَث، وطهارة المكان إزالة النجاسة منه بالماء أو بالجفاف من خلال الشمس والهواء، والطهارة بالماء أسرع لما ورد عن رسول الله أنه لما بال أعرابي في المسجد وزجره الصحابة منعهم النبي قائلا: “دعوه وأريقوا على بَوله دلوا من ماء، إنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسِّرين”، إذن فالطهارة من النجاسة واجبة، أما روَث الحيوانات فليس نجِسا كله إنما إذا كان الحيوان يؤكل لحمه فبَوله وروَثه طاهران؛ لأن الأصل في الأشياء الطهارة إلا ما أتى عليه دليل النجاسة، وقد أباح النبي الصلاة في أماكن البقر والغنم (مرابضها)، كما أمر جماعة مرضى أن يشربوا من ألبان الإبل وأبوالها؛ فهي طاهرة ولو كانت نَجِسة ما أمرهم بذلك؛ إذ لا يجوز التداوي بشيء نجِس محرَّم، لذا لم يكن منْع الصلاة في مبارك الإبل لنجاستها إنما حتى لا تشوش على المصلي بحركاتها وضخامة جسمها، وإذا كان الحيوان لا يؤكل لحمه فإن بوله وروَثه نجِسان، فقد رفض النبي أن يستجمر برَوَث الحمار؛ لأنه رجْس أي نجِس، لكن هذا لا يمنع أن جميع الحيوانات في حال حياتها طاهرة سواء كانت مأكولة اللحم أم غير مأكولة، ولا يُستثنَى من ذلك إلا الكلب والخنزير فإنهما نجِسان نصًّا.
ــ أما الحَدَث فهو نوعان: حدث أصغر وحدث أكبر، الحدث الأصغر هو خروج شيء من أحد سبيلي الإنسان القُبُل والدُّبُر كبَـوْلٍ أو دم أو مذي أو ريح أو غائط، أما خروج الدم من جسم الإنسان جرحا أو نزيفا فلا يدخل في الحدَث؛ لأنه لا ينقض الوضوء على الأرجح، ويُحمَل على الحدث الأصغر مسّ الفرج ببطن الكف لنفسه أو لغيره، ومسّ المرأة الأجنبية بشهوة، وزوال العقل بإغماء أو سكر أو جنون أو غير ذلك، وكذلك النـوم إلا إذا كان الإنسان نائما جالسا على مقعده، فقد كان الصحابة يأخذهم النوم وهم جالسون منتظرين صلاة العشاء، والحدث الأكبر هو إنزال المني بشهوة أو بغير شهوة، والجماع بإنزال أو بغير إنزال، وخروج دم الدورة الشهرية وهو الحيض وخروج الدم عقب الولادة وهو النفاس.
ــ وكما أن الطهارة تكون من شيئين تكون بشيئين، فما هما؟ للحديث بقية

زر الذهاب إلى الأعلى