دنيا ودين

قـــراءة تفسيرية لسورة الزلزلة 1

قـــراءة تفسيرية لسورة الزلزلة 1

 

متابعة ناصف ناصف

توضيح تفسير للاستاذالدكتورعلاءااحمزاوى

الاستاذبجامعة المنيا

 

ــ هي من قصار السور، تسمى سورة (الزلزلة) و(الزلزال)، آياتها ثمان في المصحف الكوفي الذي عليه قراءة حفص، وتسع آيات في بقية المصاحف؛ لأن جملة {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} آيــة في تلك المصاحف وجزء من آية في المصحف الكوفي، والمراد بالمصاحف هي المصاحف التي أمر سيدنا عثمان بكتابتها، وهي خمسة أو ستة أو ثمانية، وقد احتفظ عثمان بنسخة منها سُمِّيت بالمصحف الإمام والمصحف العثماني، وأرسل النسخ الأخرى إلى الأمصار الإسلامية الكوفة والبصرة ومكة والشام وغيرها حسب عدد المصاحف، وبين تلك المصاحف اختلافات خفيفة لاستيعاب القراءات المتواترة عن الوحي، ولم يستوعبها الرسم في المصحف العثماني.

ــ سبب نزولها أن النبي سئل عن موعد القيامة، فأنزل الله السورة تتضمن بعض علاماتها دون تحديد موعدها، مقصدها التخويف من يوم القيامة والحث على فعل الخير، واختُلِف في مكان نزولها، فحديثها عن أهوال يوم القيامة يرجّح أنها مكية، ونزولها بعد سورة النساء يرجح أنها مدنية. 

ــ ترتيبها في المصحف بعد سورة البينة، وبينهما ترابط دلالي، فسورة البينة خُتِمت ببيان جزاء المؤمنين {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، فكأن المخاطب سأل: متى يكون ذلك يا رب؟ فأجاب ربنا: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا}، وهذا يرجح عندنا أن ترتيب السور في المصحف ترتيب توقيفي من النبي عن رب العزة، وليس اجتهاديا من كتبة الوحي. 

ــ فضلها من فضل القرآن، وليس لها خصوصية تفضيل، والأحاديث الواردة في تفضيلها غير مؤكدة.

ــ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}، هذا حدث عظيم من أحداث يوم القيامة وأهوالها، و{إِذَا} ظرف للمستقبل يفيد تحقق وقوع الشرط، وهو كذلك في القرآن كله، وقد ورد قرابة أربعمائة مرة، ومن نظائره {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}، و{إذا} عكس {إنْ} في الدلالة، فـ{إنْ} حرف شرط يدل على احتمال وقوع الحدث كقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}، والزِّلزال: الحركة الشديدة مع الاضطراب، فــ{زُلْزِلَتِ} الأرض حُرِّكت تحريكا شديدا لا يعلم مقداره إلا الله، والفعل يحمل معنى التكرير، فهو تحريك متكرر، وأصل الفعل: (زلَّ) بمعنى تحرك وانتقل، يقال: زلَّ قدمه أي انزلق من مكانه، وتكرار المبنى يدل على تكرار المعنى، فـ{زلزلت} تكرر تحريكها الشديد، وشبيه بهذه الآية قوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً}، فالرجُّ هو الزلزال الذي يهدم كل بناء على الأرض، وهو زلزال لا مثيل له في الشدة؛ لذلك ذُكِر الفعل ومصدره المفعول المطلق للدلالة على شدته وقوته وعظمته، يؤكده قوله تعالى: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ}، فالمراد زلزلة الأرض يوم تقوم الساعة، لكن متى يحدث هذا الزلزال؟ إما أن يحدث عقب النفخة الأولى استنادا إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة}، فالراجفة هي النفخة الأولى نفخة الصعق التي تميت الأحياء من الخلائق، و{ترجف}: تتحرك وتتزلزل، والإسناد هنا مجازي؛ فالراجفة لا تتزلزل بل تُزلِّزل كل شيء، أو يحدث عقب النفخة الثانية نفخة البعث، استنادا إلى قوله تعالى: {تَتْبَعُهَا الرادفة} فالرادفة هي النفخة الثانية، وسُمِّيت بذلك؛ لأنها تردُف النفخة الأولى أي تحدث بعدها، والرادفة تزلزل كل شيء بدليل أن الأرض تخرج أثقالها عقبها، ويحتمل أن يقع الزلزال عقب كل نفخة من شدتها، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى