مقالات

الإسراء بالروح والجسد

بقلم دكتوره : شمس راغب عثمان

أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية .الجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا.الولايات المتحدة الأمريكية

• و الحق – سبحانه وتعالى – يقول : ” سبحان الذي أسرى بعبده

” سورة الإسراء ، مكية : من الآية ١ . ولم يقل برسوله ، ولله جل جلاله في كونه عبيد وعباد ، كلنا عبيد الله ، الطائع فينا والعاصي ، والمؤمن فينا والكافر ، والعياذ بالله ، ولكن عباد الله

هم الذين أخلصوا له ، فاتحد اختيارهم مع منهج الله – سبحانه وتعالى – ما قال لهم افعلوه فعلوه ، وما نهاهم عنه انتهوا .

• ولذلك نجد في القرآن الكريم ، عندما يريد الله أن يتحدث عن المخلصين من خلقه .. لا يسميهم عبيدا ، ولكن يسميهم عبادا .

• واقرأوا قول الحق تبارك وتعالى : ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ” .

سورة الفرقان ، مكية : الآية ٦٣ .

• نرى أن الله تعالى قد. استعمل كلمة ” عبده ” ليلفتنا إلى حقيقتين هامتين .. الحقيقة الأولى .. أن. الإسراء تم بالروح

والجسد .. ولم يكن مناما ،، ولكنه كان رؤية حقيقية . فكلمة

عبد لا تطلق إلا عند. التقاء الروح بالجسد .

• يقول أمير الشعراء أحمد شوقي ، في همزيته في مدح خير البرية

والتي جاءت على البحر الكامل :

• يا أيها المسرى به شرفا إلى

ما لا تنال الشمس والجوزاء

• يتساءلون وأنت أطهر هيكل

بالروح أم بالهيكل الإسراء

• بهما سموت مطهرين كلاهما

نور وروحانية وبهاء

• فضل عليك لذي الجلال ومنة

والله يفعل ما يرى ويشاء

• تغشى الغيوب من العوالم كلما

طويت سماء قلدتك سماء

• الله هيأ من حظيرة قدسه

نزلا لذاتك لم يجزه علاء

• العرش تحتك سدة وقوائما

ومناكب الروح الأمين وطاء

• والرسل دون العرش لم يؤذن لهم

حاشا لغيرك موعد ولقاء •

• فالنبي – صلى الله عليه وسلم – أسري وعرج به روحا وجسدا

لأننا لو قلنا : إن الإسراء والمعراج لم يكن إلا روحا لم يكن

في ذلك معجزة ، وليس بكثير على قريش أن تكذبه ، ولا يمكن لقريش أن تكذب رجلا يقول : ” إنني رأيت البارحة كذا

وكذا ” .

• ولقد دار النقاش مع أولئك الذين استمعوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يروي لهم ما حدث في الإسراء ،

على أساس أنه تم بالروح والجسد .. وإلا ماكانوا ناقشوا رسول

الله – صلى الله عليه وسلم – فيما حدث ، فلو أن الإسراء كان مناما – كما يدعي بعض الناس – ما كان هناك مجال للنقاش ، وهل يناقش. النائم فيما يراه ؟

• إنك إن قلت : ” إنني ذهبت إلى الهند و عدت إلى مصر في ليلة

واحدة مرتين في ليلة واحدة : هل يكذبك أحد في منامك؟

طبعا لا •

• فما يحدث في المنام لا يخضع لنقاش العقل ، ولا. يخضع لمنطق الأحداث ، وإليكم مثال على ذلك : ” الملك في عهد يوسف – عليه السلام – ماذا رأى في. المنام ؟

• يقول الحق – تبارك وتعالى – وقال الملك إني أرى سبع بقرات

سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع. سنبلات خضر وأخر يابسات يا

أيها الملأ أفتوني في رءياي إن كنتم للرءيا تعبرون ” سورة يوسف ، مكية .

• هل هذا كلام يتفق مع العقل والمنطق ؟ وهل يأكل. البقر بعضها بعضا ؟ وهل رأى أحد منا بقرة تأكل بقرة أخرى ؟

طبعا هذا لم يحدث ، ولو أن. هذا. كلام قابلا للحدوث .. أيأكل

البقر الهزيل الضعيف البقر القوي السمين؟ أم أن العكس هو الذي

يتفق مع المنطق ، ولكن لا أحد منا رأى بقرة تأكل البقرة .

• ومع ذلك عندما حكى الملك منامه لوزرائه وبطانته ، وطلب منهم أن يفتوه فيه ، هل ناقشه أحد. منهم عقليا .. وقال. له : “

: كيف يأكل البقر بعضه بعضا .. إن هذا لا يمكن أن يحدث ،

لم ينا قشوه لأن الأحلام لا تناقش بالعقل والمنطق ، ولا تخضع لأسباب البشر .

• ولكنهم قالوا كما يروي الحق – سبحانه وتعالى – : ” قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ” سورة يوسف مكية ، الآية ٤٤ .

• إذا : لم يدر نقاش إطلاقا. .. حول الرؤيا التي رآها الملك في. المنام .. ولا أي نوع من أنواع المجادلة العقلية ، لكن في معجزة

الإسراء دار نقاش . . وقالوا كيف يمكن أن تأتيها في ليلة ، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا ؟

• إذن : النقاش يدل على أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

أخبرهم أن الإسراء تم بالروح والجسد ، وجاء قول الحق

جل جلاله : ” سبحان الذي أسرى بعبده ” الإسراء ، من الآية ١

ليؤكد أن الإسراء تم بالروح والجسد • هذه واحدة ..

• أما الثانية … فهي أن الله تعالى يريد. أن. يثبت لنا أن. العبودية

له أسمى المراتب التي يصل إليها الإنسان ، فالعبودية لله عزة

ما بعدها عزة ، وعطاء ما بعده عطاء ، وإذا قرأنا في سورة الكهف نجد قول الحق تبارك وتعالى : ” فوجدا عبدا من عبادنا

آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما . قال له موسى هل

أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ” سورة الكهف،٦٦

• إذا فالحق – سبحانه وتعالى – يريد أن يلفتنا إل. أن العبودية

له هي أعلى الدرجات بدليل أنه ذكر قصة موسى والخضر – عليهما السلام ، ولم يكن الخضر رسولا ، ولكنه كان عبدا فنال

منزلة عالية عند الله – سبحانه وتعالى – وأنزل الحق جل جلاله

عليه من. فيوضات علمه ما لم ينزله على موسى – عليه السلام –

– ” سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم – وصل

اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

زر الذهاب إلى الأعلى