فِينِك مِن زَمَان؟ أين كنتِ حين كنتُ أغفو على وجعِ السنين؟ حين كان الليل يسرقُني، وأحلامي أنين؟ حين كانت كلُّ دروبي بلا وجهٍ حنون، وكان الصبحُ يأتيني وحيدًا، لا يقين؟ أين كنتِ؟ كنتُ أبحثُ عنكِ في وجوه العابرين، في ملامحٍ تشابهُ حلمَ قلبي المستكين، كنتُ أرسمُكِ بحبرِ الصبرِ، أكتُبُكِ دعاء، وأهمسُ للقدرِ: متى اللقاء؟ متى اللقاء؟ كنتُ أمشي في دروبٍ ضيّعتني، أنادي في الفراغ، فلا يردّ الصدى، كنتُ أُطفئ الشوقَ بوهْمٍ من أمل، أناجي قَدَري، لكن القدرَ كانَ صامتًا، ثم جئتِ... كأنكِ مطرٌ يبعثُ الحياةَ على رماد، كأنكِ شمسٌ تأخرتْ لكنها جاءتْ لتُولَدَ من جديد، كأنكِ وعدٌ من السماءِ تأجلَ، ثم صارَ، كأنكِ وطنٌ كنتُ منه، وإليه الآنَ أعود! جئتِ... فارتجفَ الحنينُ كطفلٍ عاد لأحضانِ أمّه، وتنفسَ قلبي كمن فُكَّ أسره بعد دهرٍ طويل. أتعلمين؟ لم يحدُث أن جاءت نجمةٌ بعد الغيابِ بهذا البهاء، ولم يحدُث أن ارتوى ظمآنٌ بماءٍ بهذا الصفاء، ولم يحدُث أن عادَ الغريبُ لوطنهِ، فوجدهُ أجملَ مما كانَ يتخيّلُهُ في رجائه.. فِينِك مِن زَمَان؟ لا تُجيبي... فقد انتهى السؤال، والآن يبدأ العمرُ، كما كان يجب أن يكون.. بقلمي..مستشار محمود السنكري