عاجل

عن الخطوبة ..المفاهيم، البذرة، الثمرة، الضوابط والمشاعر

عن الخطوبة ..المفاهيم، البذرة، الثمرة، الضوابط والمشاعر

عن الخطوبة ..المفاهيم، البذرة، الثمرة، الضوابط والمشاعر

كتب/ ناصف ناصف

يحدث االاستاذالدكتور محمدسلام الاستاذبجامعة الازهر

عن مفاهيم الخطوبة فى الاسلام وذلك

بمناسبة خطوبة ابنه الدكتور عبدالوهاب

ما أعظمها من ثمرة، ثمرة شجرة الزواج التي تُؤتِي أُكُلَها كل حين بإذن ربها، تلك الشجرة التي أُسِّس لها من خلال فترة الخطوبة، تلك الفترة التي يمثل فيها الاتفاق الأمين بذرتها الميمونة المباركة التي تستمد من تعاليم الدين القيم، والعُرف الطيب، والخُلُق الكريم الصَّيِّب خير مداد لها ..

الخُطوبة لغة :

هي فترة تسبق الزَّواج للاتفاق، ومزيد من التعارف بين (الخطيبين) الذي يؤدي إلى الاستمرار في الإعداد للزواج وإتمامه في حال التوافق، أو إنهاء العلاقة إذا لم يتحقق ذلك ..

والخطوبة في الإسلام :

الخطوبة في الإسلام اتفاق على زواج شاب وفتاة، وهي الطريق التي تؤسس لإتمام الزواج، وتكوين أسرة جديدة، حيث يتم الاتفاق بين أسرتَي (الخطيبين) على المهر، وتكاليف الزواج ..

والزواج هو الوسيلة لاستمرار الحياة، وتعمير الأرض، كما أن الزواج يؤدي إلى اتساع دائرة التعارُف، والتقارُب، والتَّواد، والتراحُم بين الناس ..

مشروعية الخِطبة :

الخِطبة مشروعة في الشريعة الإسلامية، قال تعالى:

(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ). [البقرة: 235].

فترة الخطوبة :

يجب أن تكون فترة الخطبة مناسبة، فلا تَقِلُّ عن مدة لا يتفهَّم فيها الخطيبان والأسرتان بعضهما البعض، فلابد من فترة تسمح للفهم وقراءة الآخر، قبل عقد القران وإتمام الزواج، ذلك أنه من أكثر العقود خطرًا على الإطلاق؛ وذلك لما يترتب عليه من تبعات، ومسئوليات اجتماعية جسيمة، لذلك اهتمت الشرائع السماوية بأمر الخطبة.

على أنه يجب ألا تطول الخطوبة كذلك لدرجة قد يترتب عليها أضرار …

الدبلة وإشهار الخِطبة:

ينبغي أن يكون هناك إشهار للخطوبة حتى يُعلَم بها، وحتى لا يخطب أحد على خطبة غيره، فعن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال:

” لا يخطُب أحدُكمْ على خِطبةِ أخيهِ “. [صحيح].

ويتم إشهار الخطبة من خلال احتفال عائلي مناسب يرتدي فيه الخطيبان (دبلة) للخطوبة.

ودبلة الخطوبة: عبارة عن هدية من الخاطب للمخطوبة تكون خاتمًا أو ما شابهه مصنوعًا من المعادن الثمينة مثل الذهب ونحوه بالنسبة للفتاة، والفضة بالنسبة للشاب، ويرتدي (الخطيبان) ذلك في اليد اليمنى في حفل عائلي أمام الأقرباء والأصدقاء، ويستمرّ كلّ منهما في لبسها دليلاً وعلامة على ارتباطهما ..

الخطوبة وأسس الاختيار :

يعتبر الاختيار قبل الزواج عاملًا مهماً لبناء الأسرة، وقد أسس النبي ﷺ لذلك بقوله:

“تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ : لمالِها، ولحَسَبِها، ولجَمالِها، ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ”.

ومعنى (ذات الدين) أي: الملتزمة بتعاليم الدين في كل ما يتصل بالحياة من أجل الآخرة ..

وهذا يعني أن يكون (الخاطب) ذَا دِين كذلك في كل ما يتصل بالحياة من أجل الآخرة ..

على أن الظفر بذات الدين لا يمنع أن يكون هناك قبول وجمال في المظهر لقول النبي محمد ﷺ:

” خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك “. [أخرج النسائي].

وكَوْن الخاطب ذَا دِين يتجلى أثره في كل حال تحقق الحب بينهما أو لم يتحقق، حيث لا يظلم الزوج ذو الدين زوجته، فإن أحبّها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها، ولم يُهِنها.

لذا كان تقديم الخاطب صاحب الدين والخُلق في النكاح واجبًا. كما كان على مريد النكاح أن يبحث عن خطيبة ذات أعراق طيبة، كما كان عليه أن يُؤْثِر الأدب والأخلاق والدين على ما دون ذلك، فإن هذه الصفات تتسلسل عبر الأصلاب والأرحام …

كما أن المرأة الصالحة تُذكِّر زوجَها بالصلاة والصوم وسائر العبادات، وتنبهه إذا غفل، وتمنعه من المحرمات، وتعينه على الخير والطاعات، وتعاونه على البر والتقوى.

وكما أن عدم الظفر بذات الدين إيثارًا للجاه والمال على الدين يؤدي إلى الفتنة، ويمثل عين الخسارة، وينذر بما لا تحمد عقباه، فإنه لا يجوز كذلك لأهل المخطوبة ردَّ الكُفء دِينًا وخُلقًا إذا تقدم؛ لقوله ﷺ:

” إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ “.

الخطوبة: آداب، وضوابط:

للخطوبة آداب وضوابط يجب الالتزام بها أثناء الخطوبة في حال لم يعقد القران وقبل إتمام الزواج ..

فينبغي على الخطيبين: الفتى والفتاة، وكذا أسرتيهما مراعاة أمور مهمة، منها:

– الالتزام بالملابس الشرعية المحتشمة الساترة التي لا تَشِفّ، ولا تصف ..

على أن الحشمة ليس معناها منع ارتداء الجميل المقبول من الملابس.

– عدم التبرج في الزينة، وعدم التبرج كذلك لا ينفي الزينة مطلقا. قال تعالى:

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ).[الأعراف: ٣٢].

– الكلام بين المخطوبين والتحدث لبعضهما البعض جائز شرعًا، سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو بأي وسيلة طالما كان ذلك يراعي الآداب الشرعية، وفي حدود الضوابط، بحيث لا يكون فيه تجاوز، ولا ما يثير الشهوات والغرائز.

وليُعلَمْ أنَّ التهاون في كلام الخاطب مع مخطوبته، أوِ أيٍّ من الآداب والضوابط السابقة وغيرها يمثل ذريعةً للفسادِ، وقد يُفْضِي ذلك إلى ما لا تُحمَدُ عُقباهُ ..

– الخروج دون محرم لا يجوز، كما لا يجوز للخطيب أن يخلو بخطيبته، ولا أن يمسها؛ لأنها لا تزال في حكم الأجنبية، وهو كذلك، واحتمال التراجع من أيٍّ منهما لا يزال قائمًا.

وبقدر ما تكون البنت أصْوَنَ لنفسها، وأحرص على عِفَّتِها وشَرَفِها، وأبعد عن الخضوع والتكسُّرِ في حديثها، بقدر ما يَعظُم قدْرها، وتستمر سعادتها قبل الزواج وبعده ..

وإلا فمَن تَعَجَّلَ الشيء قبْل أوانه، عُوقِب بحرمانه.

ومن حكمة الفتاة المسلمة، ألا يكون همُّها كَون الخاطب وسيماً أنيقاً غنياً ذا سيارة فارهة، أو غير ذلك من الأمور العارضة والزائلة، وإنما يكون همها في الحقائق والثوابت التي أقرها الدين مبعث كل خير وسعادة باقية ..

الخطوبة: تهنئة، ومشاعر، وشكر:

عن المشاعر:

قبل الحديث عن التهنئة بخطوبة الابن وارتباطه بذات النصيب يقفز إلى الذهن جانب إنساني لا يمكن إغفاله أو تجاهله، ولاسيما تجاه ذوي القرابة والصداقة والزمالة من أصحاب المقامات الرفيعة الذين تربط الإنسان بهم وبأُسَرِهم الاجتماعية والأدبية الكريمة روابط عديدة جليلة وجميلة، فلدى كل أسرة عناصر أنثوية قيمة: دينًا وعلمًا وأدبًا، وفضلًا وأصلًا كريمًا شكلًا ومضمونًا، لكن لكل عنصر حسْب ما كتبه الله ما يناسبه ..

ولذا فإن الفرحة لا تكتمل إلا بفرحة كل أسرة بعناصرها الكريمة التي هي فرحة الجميع، ” فالمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص ” و” مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد “.

على أن ذات النصيب أصبح لها من الحقوق والتقدير والمودة نفس حقوق الأبناء، كما أصبح لأفراد أسرتها من الحقوق ما يجب الوفاء به، والبر بهم، والمودة لهم في ضوء قول الحق تبارك وتعالى:

(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). [الروم: ٢١].

عن التهنئة :

وأما عن التهنئة للابن والخطيبة فإن التهنئة الحقيقية لا تكون عن مجرد لحظة أو يوم، وإنما تدوم التهنئة كل يوم

إذا هما قَدَّرا نعمة الله عليهما بالقبول والتيسير والتوفيق، وقابَلا نعمة الله بتقديرها وتقديسها حقَّ قدْرها وقداستها، وتَخلَّقا بمكارم الأخلاق، وتأدَّبا بآداب أهل الإيمان، الإيمان بحلاوة شُعَبه التي يأتي من بينها شعبة (الحياء) الحياء الذي لا يأتي إلا بخير ..

ولشد ما أهنيكما (ولدَيَّ) التَّقيِّيَن بتقديركما نعمة الله عليكما، وتقديس العلاقة بينكما، وتَحلِّيكما بالحياء ..

ولذا فإني أحذركما كل الحذر من مقابلة نعمة الله بالمعصية بدل الطاعة، فإنه لا نعمة تدوم مع المعصية، ولا هناءة مع زوال النعمة …

عن الشكر:

لمَّا كان الوعد من المنعم الجليل بكل النعم لِمَن شكر الله على نعمه ليزيدنه ..

ولمَّا كان الهَدي النبوي أنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس ..

فإن الشكر لله حَقٌّ له في كل حال، فما بالنا في حال النعمة، فكيف يكون الشكر …؟

(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ). [النمل: ١٩]

ثم إن الشكر الجزيل لكل من أسدى التهنئة بأيِّ وسيلة تجعل صاحبها صاحب فضل ..

وهنيئًا لأهل الفضل ..

فإن من أجمل ما قرأت عن أهل الفضل:

” أن أهل الفضل في الدنيا هم أهل الفضل في الآخرة “.

زر الذهاب إلى الأعلى