مقالات

التاريخ يعيد نفسه في معركة غزة..بقلم لواء د/ سمير فرج

التاريخ يعيد نفسه في معركة غزة..بقلم لواء د/ سمير فرج

متابعة محمود السنكري 

“وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد ” حدثني نفسي بتلك المقولة الشهيرة عن التاريخ أثناء متابعتي لمستجدات الأحداث في إسرائيل بعد إعلان القناة ال12 الإسرائيلية عن بدء الجيش الإسرائيلي التحقيق في أحداث السابع من أكتوبر 2023 .

فما أشبه اليوم بالبارحه ، فمنذ مايقرب من الخمسون عما وتحديدا في شهر نوفمبر 1973 ، وبعد الهزيمة الموجعة التي تلقتها إسرائيل من الجيش المصري في حرب 6 أكتوبر ، شرعت إسرائيل في تشكيل لجنة تقصي الحقائق برئاسة رئيس قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا انذاك “شيمون أجرانات”، ولذلك عرفت اللجنة باسم أجرانات، إلا أن الصحف المعارضة الاسرائيلية أطلقت عليها لجنة التقصير، وطالبتها بكشف أسماء المقصرين في حرب أكتوبر 73 والمتسببين في هزيمة إسرائيل.

وبعد ستة شهور أصدرت اللجنة تقريرها الأول مكون من 40 صفحة، وكان تقرير عام، ثم جاء تقريرها الثاني في يوليو 74، مكون من 423 صفحة، تحمل درجة سري للغاية، حتى إنه لم يعرض على مجلس الوزراء الإسرائيلي، وفي يناير أصدرت اللجنة تقريرها النهائي، وتم حظر نشره ، وقد تمثلت أبرز وأهم قرارات لجنة إجرانات الأولى فور إجراء التحقيق، في عزل رئيس الأركان الإسرائيلي دافيد اليعازر من منصبه، والتوصية بعدم توليه أي مناصب أخرى، كذلك إقالة مديري المخابرات العامة والحربية في ذلك الوقت.

واليوم نري السيناريو يتكرر مرة أخري، فلم تكن القوات إسرائيلية قد انهت القتال في قطاع غزة، وما زال القصف مستمرا حتى الآن،ليتم الإعلان عن قيام الجيش الإسرائيلي وليس الحكومة إسرائيلية بالتحقيق في أحداث 7 أكتوبر 2023م.

وفي التقرير الذي أذاعته القناة 12 الإسرائيلية تم الحديث عن قيام الجيش الإسرائيلي بتشكيل لجان تحقيق للأحداث،دون تحديدعدد هذه اللجان أوأعضائها ، ولكنها أكدت أن رئيس الأركان الإسرائيلي السابق “شاؤول موفاز” ومعه الرئيس السابق لوكالة الأمن القومي الإسرائيلي “إزائيف بركاش”، والقائد السابق لقيادة الجيش الجنوبي “سامي الجمال”، من بين أعضاء تلك اللجان ،وأضاف التقرير أن هذا القرار للجيش الإسرائيلي جاء بعد 90 يوما. من بدء القتال يوم 7 أكتوبر 2023، وعلى هذه اللجنة التحقيق في أسباب حدوث هذه الحرب، ثم مسائلة جميع المقصرين في كل مراحل القتال.

ولقد جاء قرار تشكيل هذه اللجنة وسط موجه من الانقادات الواسعة والغضب تسود الشارع الإسرائيلي نحو رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بسبب فشله في التعامل مع أحداث السابع من أكتوبر بداية من الفشل في التنبؤ المسبق بالهجوم الذي شنته الفصائل الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة الخارجي،وسوء إدارته لقضية الرهائن الإسرائيلين لدي فصائل المقاومة، وإتهام أسر الرهائن لنتنياهو رئيس الوزراء بالإخفاق في تحريرهم بالقوة العسكرية ورفضه لإقامة هدنة لتبادل الرهائن مع سجناء فلسطينيين من سجون إسرائيل.

الأمر الذي أبرز تساؤلات بين الشارع الإسرائيلي “هل أرواح ذوينا لا تساوي الإفراج عن بعض المساجين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية؟”.

ومن الأمور التي تزيد الموقف اشتعالا في الشارع الإسرائيلي هو ارتفاع عدد الجنود الإسرائيلي الذين أصيبوا بإعاقات مستديمة جراء المشاركة في الحرب والذين وصل عددهم وفقا لصحيفة يدعونوت احرنوت الإسرائيلية إلي أكثر من 20% من عدد المصابين وأشارت الصحيفة أن شعبة إعادة التأهيل تعالج حوالي 6 الاف معاق من جرحى الحروب الإسرائيلية خلال الفترة السابقة.

أما بالنسبة للجان المشكلة للتحقيق في الحرب ، فيدور الحديث في كواليس الإعلام الإسرائيلي عن عدة قضايا رئيسية أولها فشل عناصر الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة الموساد، وجهاز المخابرات العامة وجهاز الشباك. وهو المسؤول عن الأمن الداخلي للإسرائيلي، المسؤول عن متابعة المنظمات الفلسطينية، ثم جهاز أمان، وهو يعني المخابرات الحربية الإسرائيلية، في تحديد واكتشاف يوم الهجوم 7 أكتوبر.

أما الأمر الثاني الهام المنوطه به اللجنه فهو التحقيق في كيفية عدم قدرة الأجهزة الأمنية في إسرائيل علي اكتشاف الأنفاق التي تقوم بصنعها حماس منذ أكثر من 10 سنوات، خاصة وأن تلك الأنفاق كانت أحد أسباب تكبد إسرائيل خسائر كبيرة أثناء مهاجمتها لمدن غزة .

أما القضية الثالثة فتتمثلت في عدم قدرة المنظمات الإسرائيلية علي متابعة الطائرات الشراعية التي عبرت بها عناصر المقاومة الفلسطينية بمنتهي البساطة السور الحديدي الذي أنشأته إسرائيل بمبلغ مليار دولار.

وقد تمثلت القضية الأخري الهامة في عدم قدرة عناصر المخابرات الإسرائيلية الثلاثة علي اكتشاف التدريبات التي قامت بها قوات حماس قبل تنفيذ الهجوم، والتي يعتقد الجميع أنها أستغرقت مدة لا تقل عن ستة شهور.

كل هذه الأحداث فشلت في التعامل معها الاستخبارات الإسرائيلية بأفراعها الثلاثة، علاوة على المهام العادية مثل صواريخ القسام، وسجيل وغيرها من صواريخ المقاومة التي يتم صناعتها وتطويرها في ورش داخل قطاع غزة، دون التعامل معها من الجانب الإسرائيلي.

أما رئاسة الأركان الإسرائيلية فسيتم محاسبتها عن التأخير في الرد على احتلال حماس للمستوطنات الإسرائيلية الثلاثة التي في غلاف غزة، وكيف تم أسر الرهائن من هذه المستوطنات ونقلهم إلى غزة دون أي تدخل من القوات الإسرائيلية أو حتى القوات الجوية، وخصوصا أن التدخل الفعلي للقوات الإسرائيلية. جاء بعد ثلاثة أيام من الهجوم، حتى ان بعض الصحف الإسرائيلية رسمت الكاريكاتير تقول فيه أن رئاسة الأركان المسؤولة عن إدارة الحرب كانت في أجازه، ولم تستطع قطع الاجازة والعودة لمقاتلة المقاومة الفلسطينية.

وبالنسبة لكل من نتنياهو ورئيس الأركان الحالي فالجميع يعتبرهما المسئولان الرئيسيان عن كل التقصير الذى حدث يوم 7 أكتوبر

والحقيقة أنني أتوقع أن يتكررالسيناريو ذاته الذي حدث بعد أكتوبر 73 ، لينتهي الأمر بعد توقف القتال بعزل نتنياهو من منصبه ، الأمر الذي سينتهي به في السجن لتنفيذ الأحكام في ثلاث قضايا فساد متهم بها من قبل، كذلك سيتم عزل رئيس الأركان ورؤساء المخابرات الثلاث المساد والشباك وأمان، والتوصية بعدم حصولهم على أي وظائف أخرى.

وهكذا فإن التاريخ يعيد نفسه، فبعد إنهاء حرب أكتوبر 73 لإسطورة الجيش الإسرائيلي، جاءت أحداث 7 أكتوبر لتؤكد إنتهاء الإسطورة للمرة الثانية ولكن هذه المرة بأيدي رجال المقاومة الفلسطينية الأحرار.

زر الذهاب إلى الأعلى