لقد دفعني شغفي بالقرآن الكريم ، إلى اختيار موضوع للبحث فيه يتعلق بالإعجاز العددي في القرآن الكريم وفي سورة الروم ، حيث وردت : ” ومن آياته ” سبع مرات في هذه السورة جاءت على النحو الآتي : ١ – قال تعالى : ” ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ” سورة الروم مكية : الآية ٢٠ • والتراب ميت ساكن ؛ ومنه نشأ الإنسان . وفي موضع آخر في القرآن جاء : ” ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ” سورة المؤمنون مكية : الآية ١٢ . فالطين هو الأصل البعيد للإنسان . تفسير ابن كثير . ٢ – قال تعالى : ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلكلآياتلقوميتفكرون ” سورة الروم : الآية ٢١ . • والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر ، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين ؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة . تفسير القرطبي . ٣- قال الله تبارك وتعالى : ” ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ” الروم : الآية : ٢٢ . • وآية خلق السموات والأرض كثيرا ما يشار إليها في القرآن الكريم وكثير ما نمر عليها سراعا دون أن نتوقف أمامها طويلا .. ولكنها جديرة بطول الوقوف والتدبر العميق . • ومع آية السماوات والأرض عجيبة اختلاف الألسنة والألوان .. بين بني الإنسان . ولابد أنها ذات علاقة بخلق السموات والأرض . وقد يدرسون هذه الظاهرة دراسة موضوعية . ولكنهم لايقفون ليمجدوا الخالق المدبر للظواهر والبواطن . ذلك أن أكثر الناس لايعلمون . ” يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ” . وآية خلق السموات والأرض واختلاف الألسنة والألوان لا يراها إلا الذين يعلمون : ” إن في ذلك لآيات للعالمين ” سورة ٤ – قال تعالى : ” ومن آياته منامكم بالليل والنهار،وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ” سورة الروم : الآية ٢٣ • وهذه آية كذلك تجمع بين ظواهر كونية وما يتعلق بها من أحوال بشرية ، وتربط بين هذه وتلك ، وتنسق بينهما في صلب هذا الوجود الكبير .. تجمع بين ظاهرتي الليل والنهار ونوم البشر ونشاطهم ابتغاء رزق الله ، الذي يتفضل به على العباد ، بعد أن يبذلوا نشاطهم في الكد والابتغاء ، وقد خلقهم متناسقين مع الكون الذي يعيشون فيه ؛ وجعل حاجتهم إلى النشاط والعمل يلبيها الضوء والنهار ، وحاجتهم إلى النوم والراحة يلبيها الليل والظلام . مثلهم مثل جميع الأحياء على ظهر هذا الكوكب على نسب متفاوتة في هذا ودرجات . وكلها تجد في نظام الكون العام مايلبي طبيعتها ويسمح لها بالحياة . • ” إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ” .. والنوم والسعي سكون وحركة يدركان بالسمع . ومن ثم يتناسق هذا التعقيب في الآية القرآنية مع. الآية الكونية التي تتحدث عنها طريقة القرآن الكريم . تفسير القرطبي . ٥ – قال تعالى : ” ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ” سورة الروم : الآية : ٢٤ . • وظاهر البرق ظاهرة ناشئة من النظام الكوني ؛ ويعللها بعضهم بأنها تنشأ من انطلاق شرارة كهربائية بين سحابتين محملتين بالكهرباء ، أو بين سحابة وجسم أرضي كقمة جبل مثلا . ينشأ عنها تفريغ في الهواء يتمثل في الرعد الذي يعقب البرق . وفي الغالب يصاحب هذا وذلك تساقط المطر نتيجة لذلك التصادم. • وأيا ما كان السبب فالبرق ظاهرة ناشئة عن نظام هذا الكون كما خلقه الباريء فقدره تقديرا . تفسير القرطبي . ٦- قال الخالق : ” جل وعلا ” : ” ومن آياته أن. تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون وله من في السماوات والأرض كل له قانتون “سورة الروم : الآية ٢٥ . • وقيام السماء والأرض منتظمة سليمة مقدرة الحركات لا يكون إلا بقدرة من الله وتدبير . وما من مخلوق يملك أن يدعي أنه هو أو سواه يفعل هذا . وما. من عاقل يملك أن يقول : ” إن هذا كله يقع بدون تدبير . وإذن فهي آية من آيات الله أن تقوم السماء والأرض بأمره ، ملبية لهذا الأمر ، طائعة له ، دون انحراف ولا تلكؤ ولا اضطراب . • ومن يرى هذا التقدير في نظام الكون ، وهذه السلطة على مقدراته ، لا يشك في تلبية البشر الضعاف لدعوة تصدر إليهم من الخالق القادر العظيم ، بالخروج من القبور ! فكل من في السماوات والأرض من خلائق طائعون له سبحانه وتعالى . ٧- قال تعالى : ” ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ولنذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ” سورة الروم ” الآية ٤٦ . • ” ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ” .. تبشر بالمطر . وهم يعرفون الريح الممطرة بالخبرة والتجربة فيستبشرون بها . ” وليذيقكم من رحمته ” بآثار هذه البشرى من الخصب والنماء . تفسير ابن كثير . • وكل هذا توجيه إلى ما. ينبغي أن. يقابل بها الناس نعمة الله الوهاب . قال تعالى : ” وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ” سورة النحل : الآية ١٨ . فقد نبههم بكثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم ولو طالبهم سبحانه وتعالى بشكر جميع نعمه لعجزوا عن القيام بذلك . تفسير ابن كثير . • ” سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ” وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.