مقالات

قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا”

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عبدالخالق عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعه/ ناصف ناصف

حين تشتد الأهواء والرغبات في النفس وتلح على أصحابها باكتسابها من أي طريق ولو كان غير مباح فإن الإرادة القوية الحازمة تسيطر على هذه الأهواء وتكبح جماحها.

ولما كانت الإرادة تملك أن تقبض وأن تبسط حياة الإنسان، وتحدد شهواته وعواطفه، كان على الإسلام أن يهتم بتكوين الإرادة للإنسان حتى يستطيع أن يطيع الإسلام.

ولقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء، الذين هم القمة في قوة الإرادة وتحمل الأذى حتى بلوغ الهدف بدون تقصيرٍأو إخلالٍ عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فقال تعالى: “أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ . فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ . قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا . إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ” الأنعام:90

وإذا أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً من ربه فلابد أن نعتقد أنه صلى الله عليه وسلم قد نفذ الأمر، وما دام أنه صلى الله عليه وسلم قد اجتمعت فيه مزايا الأنبياء فحق له أن يكون خاتم النبيين والمرسلين.

“قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً “, ولماذا يُطْلَب الأجر؟ الإنسان لا يطلب أجراً ممن فعل أمامه أو له عملاً إلا إذا كان العمل الذي فعله يعطيه منفعة تستحق أن تُعطي وتُمنح عليه أجراً، فكأن ما يؤديه صلى الله عليه وسلم إلى الأمة كان يستحق عليه أجراً، لكنه صلى الله عليه وسلم يبلغ عن ربّه: قل لهم: إنك نزلت عن هذا الأجر.

وعلينا المقارنة بين مَن يقدم لأي واحد منا منفعة قد لا تأخذ من وقته نصف ساعة في جزئية من جزئيات الحياة، ومن يقوم بعمل ينفعنا في مدًى يتعدى الدنيا إلى أن يصل إلى الآخرة ثم يقول: أنا لا أريد منكم أجرًا.

ولذا أمرنا عزّ وجلّ أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عز من قائل: “قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ” الأحزاب:21 . فعلى كل من يريد أن يُعلي همته، ويشحذ إرادته أن ينظر إلى صحابة رسولنا الكريم، وإلى أصحاب الهمم العالية من صالحي هذه الأمة، فعلينا بالبحث عن هؤلاء ليكونوا نموذجاً لنا في رحلتنا الحياتية نحو النجاح وبالإضافة إلى القدوة فنحن نحتاج إلى صحبةٍ صالحةٍ من ذوي الهمم العالية من العلماء العاملين، والدعاة المخلصين ؛ لنتطبع بطباعهم الحسنة، وبخصالهم الحميدة وبهمهم العالية وإرادتهم الفولاذية، وقد أمر الله نبيه الكريم بأن يصبر نفسه مع أمثال هؤلاء، فقال: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ” الكهف:28 ، وهكذا فإن درجة إرادتك بل درجة إيمانك ودينك ستنتظم غالباً على درجة من تصحبه، قال رسول الله: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (حسنه الألباني / صحيح سنن أبي داود: 4833)،

إن إرادة الإنسان، عندما تخشع أمام إرادة الله سبحانه وتعالى، لا تذوب لتموت، وإنما لتحيى وتدوم، و إذا إنصهرت الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية، تعود الى الحياة أقوى ما تكن على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، حيث تتخذ من الإنضمام الى إرادة الله، مصدر قوة وثقة.

أ.د/ مفيدة إبراهيم على –

عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

زر الذهاب إلى الأعلى