مقالات

قــراءة في آيات الحج والعمرة 4

بقلم الدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

متابعة ناصف ناصف

ــ قال تعالى: {فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ}، هذا الخطاب بيان لحُكم من أحكام حجّ التمتع، والحج ثلاثة أنواع: إفــراد وهو أن يحرم الحاج من الميقات بالحج فقط ويؤدي مناسكه، وقــران وهو أن يقرن الحاج حجه بعمرة في مناسك واحدة فيُحرِم بهما معا من الميقات، وتمتع وهو أن يحرم الحاج من الميقات بعمرة فقط، ويؤدي مناسكها حتى يتحلل منها بالتقصير في أشهر الحج، ثم يحرم بالحج قُبَيل الوقوف بعرفة من مسكنه ويؤدي مناسكه كاملة، وسُمّي تمتعا؛ لأن الحاج يتمتع بأداء مناسك العمرة كاملة ثم أداء مناسك الحج كاملة.
ــ والحكم الذي يتناوله هذا الخطاب هو تقديم الهدي، فالله يقول للحُجاج: إذا زال خوفكم وثبت أمنكم لأداء حجّكم، فمن كان منكم متمتعا بحجّه وجب عليه أن يقدم هدْيًا شكرا لله على إتمام مناسكه، وحج القران يأخذ حكم حج التمتع في وجوب الهدي؛ لأنه فعل النبي في حجة الوداع؛ فقد قرن حجه بعمرة، وهو القائل: “خذوا عني مناسككم”، وهذا يدل على أن السُّنة متممة وشارحة للقرآن؛ لأنها وحي من الله، قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ}، وقد حـجَّ النبي قارنا؛ لأنه ساق الهدْي معه، وأمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي بالتمتع، وفي الوقت الراهن صار الأمر سهلا بأن في مكة مؤسسات مسؤولة عن تقديم الهدي، وعلى الحاج القارن أو المتمتع دفْع قيمة الهدي لتلك المؤسسات؛ وبالتالي يتاح للحاج التخيير بين التمتع والقران.
ــ والهدي كالأضحية يكون من الإبل والبقر والغنم، فيكون شاة أو سُبُع بقرة أو سُبُع بَدَنة بشرط ألا يكون بها عيبٌ أو مرضٌ أو عورٌ أو عرجٌ بيِّن، ولا يشترط أن يذبح الحاجّ هديه بنفسه، فيجوز له أن يوكّل من يذبح عنه، وأيام الذبح أربعة: يوم العيد وأيام التشريق لقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}، ويستحب للحاج أن يأكل من هديه لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.
ــ وربط الله تقديم الهَـدْي بالتيسير قائلا: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، فلا هدي مع المشقة والعناء، وإذا تعذّر على الحاج تقديم هدي يصوم ثلاثة أيام أثناء الحج، ويُفضَّل أن تكون أيام السادس والسابع والثامن من ذي الحجة، ثم يصوم سبعة أيام بعد انتهاء أيام التشريق، والأفضل أن يصومها بعد رجوعه إلى موطنه، وتوزيع الصيام على مرحلتين رفق ورحمة وتيسير من الله للحاج، وفي كيفية توزيع الصيام مراعاة لحالة الحاج، ففي حالة انشغاله بمناسك الحج كُلِّف بصيام الأقـل، وفي حالة استقراره في موطنه كُلِّف بصيام الأكثر، فما أجمل هذا التشريع!
ــ ولعل قـوله: {تلك عشرة كاملة} جاء احترازا من التوهم بأن الواو بمعنى (أو) وتأكيدا على أن العدد (سبعة) مقصود في ذاته وليس كناية عن مطلق الكثرة، فقد أُطلِق وعُنِي به الكثرة في حديث “أُنزِل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف”، وبذلك يتبيّن أن البديل للهدْي هو صيام عشرة أيام، ووصف العشرة بأنها {كاملة} للإشارة إلى أن هذا الصوم هو طريق الكمال لأعمال الحج، وأن المتمتع لا يكون حجه تاما حتى يصوم ما أمره الله به حال تعذر تقديم الهدي، ويجوز أن يكون المراد بها كاملة الأجر والثواب، ولا مانع من الجمع بينهما.
ــ ثم استثنى الخطاب بعض الحُجّاج، فقال: {ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}، واختلف العلماء في المراد بــ{حاضري المسجد الحرام}، فقيل: هم أَهْل الْحَرَمِ أو أَهْل مَكَّةَ أو أَهْلُ الْمِيقَاتِ فَمَا دُونَهُ، وقيل: مَنْ كَانَ وَطَنُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لكن هل الاستثناء في التمتع؟ أم هو في الشكر لله بالهدي أو الصيام؟ ظاهر الخطاب يوحي بأن الاستثناء في الشكر لله بالهدي أو الصيام، فالمكيّ إذا تمتّع بالحجّ فلا هديَ عليه ولا صيام، وقيل: الاستثناء في التمتع، فالمقيمون بمكة وما حولها يفردون ولا يجمعون؛ لأن العمرة متاحة لهم طول أيام السنة، والخطاب يحتمل التفسيرين.
ــ ثم حذر ربنا من التهاون في أوامره ونواهيه وحدوده، فقال تعالى تعقيبا على ما سبق: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فليست العبرة بما تفعله الجوارح من أعمال في الحج والعمرة، إنما العبرة بمدى خوف القلوب من الله، ومدى تأثير الحج في قلوب الحجاج من البر والتقوى وحب الطاعات وكره المعاصي، فليس كل من ذهبوا إلى الحج وأدوا المناسك على درجة واحدة من الأجر والثواب، كما أن هذا الختام يشير إلى مدى تأثير الثواب والعقاب في إصلاح المرء والمجتمع، ولو طُبِق هذا المبدأ في الأرض بحقٍّ لتقدمت الأمة، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى