مقالات

الزكاة

الزكاة

للاستاذالدكتورعلاء الحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا
متابعة ناصف ناصف
ــ المستحقون للزكاة ثمانية أصناف من الناس حدد الله صفاتهم ورتبهم حسب أهميتهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وبدأ بـ{الفقراء والمساكين} لبيان مكانتهم في توازن المجتمع واستقراره ونهضته، وقد سبق الحديث عنهم.
ــ و{العاملين عليها} هم الذين يتولون مهمة جمع الزكاة والحفاظ عليها بتكليف من الجهات الرسمية، وليس من مهامهم توزيعها إلا إذا كلَّفهم وليّ الأمر بذلك، واستحقاقهم للزكاة هو أجــرة لأعمالهم فيها إلا إذا كانوا يتقاضون مرتبا مقابل عملهم فلا يأخذون من الزكاة، وجاءوا في المرتبة الثالثة لطبيعة وظيفتهم الخطيرة؛ حتى لا يزيِّن لهم الشيطان أموال الزكاة فيتلاعبوا بها اختلاسا أو أخــذا منها بدون وجه حـق، فيقعوا في المحظور الوارد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ لذلك ينبغي أن يتصفوا بالصدق والأمانة، ويمثِّل {العاملين} حاليا الجهات الرسمية كالأزهر والجهات الخيرية المرخَّص لها من الدولة بجمع الزكاة، والمراكز الإسلامية الخارجية المفوَّضة بذلك من جهات إسلامية رسمية.
ــ و{المؤلفة قلوبهم} كلمة (مؤلفة) مأخوذة من التآلف، قال تعالى: {كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}، وعليه فـ{المؤلفة قلوبهم} هم الذين تُستَمال قلوبهم للإسلام بالمال إحسانا ومودةً، منهم المناصرون للإسلام من غير المسلمين، ومنهم الذين يُخشَى شرهم فيُتَقون بالمال، ومنهم الذين يراد تليين قلوبهم للإسلام، ومنهم المسلمون ضعاف الإيمان لتقوية إيمانهم كما حدث مع صفون بن أمية، يقول: “لقد أعطاني رسولُ اللهِ يومَ حُنينٍ وإنَّه لَمِن أبغضِ النَّاسِ إليَّ، فما زال يُعطيني حتَّى إنَّه لَأحبُّ الخَلقِ إليَّ”، لذلك فتحديد هذا الصنف مهمة وليّ الأمر، فقد استألف رسول الله قوما من أشراف العرب ليردُّوا عنه قومهم ويُعينوه على أعدائه فاستحقوا الزكاة، وهذا يدل على أن بعض الناس يُكسَبون بالمال، فإذا أسلموا تهذَّبت أخلاقهم، وكان النبيُّ حريصًا على نشر الإسلام، فكان يتألَّف قلوب الناس بما يحبون، فمَنْ أحب المال أَجْزَلَ له العطاء، ومَنْ أحب الفخر جعل له حظا منه، ومن كان قوي الإيمان أوكل النبي جزاءه إلى الله ليثيبه حسن الثواب، ويروى أن عُمَر بن الخطاب أوقف صرف الزكاة لهذا الصنف لمَّا قويتْ شوكة الدولة الإسلامية؛ ولعل ذلك ما أدَّى إلى اختلاف الفقهاء في استمرار صرف الزكاة لهؤلاء ما بين مجيز ومانع، لكن بقاء النص القرآني يؤكد استمرار رحمة الإسلام وحرصه على هداية الناس وإزالة أي عائق لتحقيق ذلك.
ــ و{في الرقاب} أي أن الزكاة تُصرَف لعتق رقاب المسلمين المحبوسين لدى الأعداء، والمراد بهم أسرى المسلمين، وقديما كان منهم المكاتَبون الذين اشتروا أنفسهم من ساداتهم، فقد سعوا في تحصيل ما يعتق رقابهم، فأُعينوا على ذلك من الزكاة، والمكاتَبون هم العبيد، سُمُّوا مكاتبين؛ لأن السيد كان يكتب اتفاقا مع عبده على تحريره مقابل مبلغ يؤديه له مجـزَّأ على دفعات، فسُمِّي العقد مُكاتَبَة، وسمِّي العبد مكاتَبا، قال تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، أي إن طلب منكم العبيد الكتابة ليحرروا أنفسهم فأجيبوهم إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا من صلاح دينهم وقدرتهم على الكسب لسداد ثمنهم، وفي الوقت نفسه أمر الله السادة أن يعينوا العبيد بالمال، فقال لهم: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، وهذا التوجيه الكريم يؤكد عظمة الإسلام في حرصه على تحرير النفس البشرية من الذل والمهانة سعيا إلى المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات العامة، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى