تحقيقاتثقافةدنيا ودينصحيفة المواطن

قــــراءة في سورة الصمد ـللاستاذالدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

متابعة/ ناصف ناصف

ـ هي من قصار السُّور في القرآن، فهي أربع آيات، ولها عدة أسماء أخرى: الإخلاص والتوحيد والتفريد والتجريد والنجاة والمانعة والبراءة والولاية، ولكل اسم دلاته المستقاة من السورة، فالإخلاص إيمان لا يخالطه رياء ولا شرك، والتوحيد عبادة الله وحده، والتفريد إفراد الله بالوحدانية، والتجريد تجريد الله من كل شبه أو تجسيد وتجريد العبد من الشرك، والنجاة والمانعة من النار، والبراءة من الشرك، والولاية لله.

ــ اختُلِف في كونها مكية أو مدنية، واختلافهم نابع من سبب نزولها؛ حيث قيل: إن المشركين سألوا النبي أن يبيّن لهم جنس معبوده، فأنزل الله هذه السورة، وقيل: إن اليهودَ أتوا النبيَّ، فقالوا: صِفْ لنا ربك الذي تعبدُ، فأنزل اللهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخرها، فقال: هذه صفةُ ربي عزَّ وجلَّ”، والأرجح أنها مكية؛ لأنها تحمل بعض سمات القرآن المكي كالتوحيد والتنزيه والتفرد.

ــ قــراءتها تعدل في ثوابها ثُلث القرآن، جاء في الحديث “أَيعجِزُ أحدُكم أن يقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟ قالوا: وكيف يقرأ ثُلُثَ القرآنِ؟ قال: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} تعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ”، وذلك لاشتمالها على أربع صفات لله، وآيات القرآن ثلاثة أقسام: آيات الأحكام، وآيات الوعد والوعيد، وآيات الأسماء والصفات، لكنها لا تُجزئ عن قراءته، وجاء في فضلها “أن رجلا كان يلزَم قراءتها في الصَّلاةِ وَهوَ يؤمُّ أصحابَهُ، فَقالَ لَهُ رسولُ الله: ما يُلزِمُكَ هذِهِ السُّورةَ؟ قالَ: إنِّي أحبُّها، قالَ: حبُّها أدخلَكَ الجنَّةَ”، كما أخبر النبي أن ”مَنْ قرأَها حتى يَخْتِمَها عشرَ مراتٍ بَنَى اللهُ لهُ قَصْرًا في الجنةِ”، وقراءتها مع المعوذتيْن صباحَ مساءَ تحفظ العبد من الشرور، ففي الحديث ”قـل: قُــلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوِّذتينِ حينَ تُمسي وتصبحُ ثلاثَ مرَّاتٍ تَكفيكَ من كلِّ شيءٍ”، أي تحفظك من كل شر وسوء، وقال النبي لعقبة بن عامر: “أَلا أُعَلِّمُكَ سِوَرًا ما أُنْزِلَتْ في التوراةِ ولا في الزَّبُورِ ولا في الإنْجِيلِ ولا في الفرقانِ مثلهُنَّ، لا يأْتِيَنَّ عليكَ ليلة إلَّا قرأْتَهُنَّ فيها، قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، يا عُقبةُ بنَ عامرٍ! ألَا أُخبِرُك بأفضَلِ ما تعوَّذَ به المُتعوِّذون؟ أنْ تَقرَأَ: “{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}”، والفرقان القرآن.

ــ ومن فضلها أنها اشتملت على اسم الله الأعظم، ففي الحديث “سَمِعَ النَّبِيُّ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: قَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ”.

ــ افتُتحت السورة بقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، الخطاب للنبي، وخطاب النبي خطاب للأمة، وفعل الأمر يظهر العناية بالتوجيهات الإلهية الحكيمة، و{هُــــوَ} ضمير شأن يأتي لتأكيد المعنى، وعند الصوفية {هــو} من الأسماء الحسنى؛ لأنه إشارة إلى الله، ثم أخبر ربنا عن أول صفة من صفاته وهي صفة الوحدانية، فقال: {اللَّهُ أَحَدٌ}، و{اللهُ} اسم لرب العالمين رب كل شيء ومليكه، وقيل: إنه مشتق من (إله) وهو مِن الفعل أَلِه الرجل يأله إليه إذا فزع إليه من أمر ما، وآلهه: أجاره وآمنه، فسمي إلاهًا، كما يسمى الرجل إمامًا إذا أمَّ الناس فأتمُّوا به، ولما كان اسما للعظيم فخموه بالتعريف فقالوا: الإله ثم حُذِفت الهمزة تخفيفا فصار {الله}.

ــ و(الأحـد) هو الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله، و(الواحد والأحد) من (الوحدة) بمعنى (التفرد)؛ لذا قيل: إنهما بمعنى واحد بدليل أن هناك قراءة شاذة هي {قـل هو الله الواحد}، وهذا كلام غير دقيق؛ لأن بينهما فــرقا دلاليا، فــ(واحد) اسم فاعل صفة غير ثابتة ولا متمكنة في موصوفها؛ لذا يوصف بها الخالق والمخلوق وكل شيء، فنقول: فنقول: شخص واحد، وأمر واحد؛ لذا لما وصف ربنا نفسه بها نفى مقدَّما التعدد، فقال تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ}، لكن {أحــد} صفة مشبهة مثل (حَسَن) تفيد تمكّن الوصف في موصوفها، فهي صفة ذاتية له؛ ومن ثم فـ{أحد} هنا أبلغ من (واحد)؛ لأنه ينفي التجزئة والتعدد عن الله، ويستعمل {أحـد} في سياقات لا يصلح فيها استعمال (واحد)، فيستعمل بمعنى إنسان أو شيء ما في سياق الاستفهام أو النفي للجنس، فنقول: {لَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}، ولا نقول: (لا أشرك بربي واحدا)؛ لأن ذلك لا ينفي التعدد، ويصلح لا نقول: شخص أحد، ولم تنقل لنا اللغة وقوع {أحــد} وصفا إلا لله في {الله أحـد}، فكأن الله استأثر بهذا الوصف، وبينما ورد اسم الله (الواحد) في أكثر من عشرين موضعا من القرآن مقترنا في ستة منها بالقهار ورد اسم (الأحد) مرة واحدة في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، واختلف العلماء في كون {أحد} من الأسماء الحسنى، والأرجح أنه اسم منها.

ــ {اللَّهُ الصَّمَدُ}، هذه هي الصفة الثانية لله، و{الصمد} صفة مشبهة تدل على ثبوت في موصوفها ولزومها له، وهي بمعنى المتفرد في كل شيء حسن الكامل في الصفات، فعن ابن عباس: “الصمد هو السيد الذي كمُل في سيادته، والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والعليم الذي كمل في علمه، والحكيم الذي كمل في حكمته، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسيادة وهو الله سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار”، و{الصمد} أي المصمود ومعناه المقصود لقضاء الحاجات، يقال: صمدتُ إليه أي قصدته في طلبي للمساعدة، سُئل النبي: “ما الصمد؟ فقال: الذي يُصمَد إليه في الحوائج”، وجاء لفظ {الصمد} معرّفا بـ(أل) لإفادة الحصر، فلا صمد إلا الله، فهو الذي يقصده الخلق في حوائجهم طوعا أو كرها.

ــ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}، هذه هي الصفة الثالثة من صفات الله؛ لأنه قديم باقٍ، وكل مولود محدث فانٍ، وجاءت هذه الصفة منسجمة مع صفة {الصمد}، فمن معاني الصمد التفرد، ومن التفرد الإلهي أنه لم يلد ولم يولد؛ فالصمد هو المستغني عن غيره في كل شأنه، وطلب الولد يكون لقصد الاستعانة به في إقامة شئون الوالد وتدارك عجزه، فجاءت هذه الآية وصفا للصمد.

ــ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، ختم ربنا السورة بالصفة الرابعة، وهي صفة التفرد في كل شيء، وهي متمّمة أو مفسّرة لمعنى الصمد، فهو المتفرد الذي ليس له مثيل مكافئ في صفاته، فهو الخالق والقادر والنافع والضار والمعطي والمانع {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وأصل الآية (لم يكن له أحد كُفوا) أي مكافئا، وحدث تقديم وتأخير لتنسجم فواصل الآيات، فتظهر عذوبتها التي جعلت كافرا يصف القرآن بقوله: “إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (حُسنا)، وإن أسفله لمغدق (مكثر العطاء)، وإن أعلاه لمثمر، وما هو بقول البشر”.

زر الذهاب إلى الأعلى