تحقيقاتمقالات

” سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ”

بقلم الأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعه / ناصف ناصف

نزلت آيات القرآن الكريم بلغة جميلة ووجيزة وقادرة على التعبير الجمالى والتصوير الفنى، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية قول الله سبحانه وتعالى في سورة محمد “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ “-2

قيل إن هذه الأية الكريمة : نزلت خاصة في ناس من قريش . وقيل : عامة فالصالحات من الأعمال بل وجميعها ترضي الله تعالى بكرمه وفضله عز وجل . وآمنوا بما نزل على محمد لم يخالفوه في شيء ، وقيل : صدقوا محمدا – صلى الله عليه وسلم – فيما جاء به . وهو الحق من ربهم يريد أن إيمانهم هو الحق من ربهم . وقيل : أي : إن القرآن هو الحق من ربهم ، نسخ به ما قبله كفر عنهم سيئاتهم أي ما مضى من سيئاتهم قبل الإيمان . وأصلح بالهم أي شأنهم ، وصلاح الله البال دعاء جميل جداً في الآية يمكن البعض لم يفطن له.

و كلمة البال فصيحة و هو موضع الفكر ، والفكر موضعه العقل والقلب

البال في اللغة هو الحال والشأن ، وقال العلماء: هو الحال، وقالوا: هو بمعنى القلب ، يقال : ما يخطر فلان على بالي ، أي : على قلبي . فماذا سيترتب على صلاح الحال والشأن؟ أَصْلَحَ بَالَهُمْ، إذا صلح حالهم ، وقالوا: هو النية، أصلح شأنهم، وأصلح حالهم، أصلح نيتهم، أصلح قلوبهم، أصلح عقولهم ونفوسهم . و قيل البال : هو رخاء النفس ، يقال فلان رخي البال . والبال : الحال ، يقال ما بالك . وقولهم : ليس هذا من بالي ، أي : مما أباليه.

فأنت حين تقول : أصلح الله بالك ، أي أصلح الله خاطرك ، وتفكيرك ، وقلبك ، وعقلك.

فشروط إصلاح البال ثلاثة مذكورة في كتاب الله: الإيمان بالله وعمل الصالحات والعمل بتعاليم ما نُزِّلَ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ بشكل فعلي . ويتجلى ذلك في قوله تعالى :” والذين آمنوا” أي إيماناً عاماً بكل ما ينبغي الإيمان به، لكن هناك إيمان خاص بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الإيمان بما نزّل على محمد، وهو شرط في صحة الإيمان، وإذا لم يأتوا بهذا الشرط حبط كل عملهم، فبعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم غلقت جميع الأبواب المؤدية إلى الجنة، ولم يبق إلا باب وطريق واحد وهو اتباع ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وقوله: ” كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ” أي: السيئات التي عملوها فيما مضى، فإنه غفرها لهم بالإيمان والعمل الصالح.

وقوله : “وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ” متأولة على إصلاح ما تعلق بالإيمان.

وقوله تعالى: ” سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ” محمد -5، أي : سيوفق الله تعالى ذكرهم للعمل بما يرضى ويحبّ، وقيل : المعنى سيهديهم إلى الجنة ، أو سيهدي من بقي منهم ، أي : يحقق لهم الهداية . (وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ) ويصلح أمرهم وحالهم فى الدنيا والآخرة. ولهذا فالدعاء بالهداية وصلاح البال للمسلم أمر مطلوب شرعاً، وقيل : إنه لا مانع من الدعاء بذلك لغير المسلم.

أ.د/ مفيدة إبراهيم على عبد الخالق -عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربيه.

زر الذهاب إلى الأعلى