مقالات

” ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ” المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم

" ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ" المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم

” ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ”
المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية
متابعة ناصف ناصف
التوكل على الله في الشفاء عبادة قلبية بيقينٍ كاملٍ بأنّه تعالى هو الشافي ، فالمرض جندٌ من جنود الله يسلِّطه على من يشاء ويصرفِّه عمن يشاء. فالمسلم مأمورٌ بالأخذ بأسباب الشفاء؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم-: (يا عبادِ اللهِ تداوُوا، فإن اللهَ لم يضعْ داءً إلا وضعَ له شِفاء, فالمسلم المبتلَى بالمرض مأمور بالأخذ بالأسباب، والدعاء باسم الله- تعالى- وهذا يُعدُّ من باب التوكل على الله الذي بيده الشفاء، وإذا صبر المريض على الابتلاء بالمرض بعد الأخذ بالأسباب، واحتسب ذلك عند الله غفر الله له ذنوبه. “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ” الأنبياء – 83 ,أي: واذكر عبدنا ورسولنا، أيوب – مثنيا معظما له، رافعا لقدره – حين ابتلاه، ببلاء شديد، فوجده صابرا راضيا عنه فنادى ربه وتوسل إليه بالإخبار عن حال نفسه، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ .والضر – بالفتح – يطلق على كل ضرر – وبالضم – خاص بما يصيب الإنسان فى نفسه من مرض وأذى وما يشبههما .
و أيوب – عليه السلام – لم يزد فى تضرعه عن وصف حاله ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضر ) ووصف خالقه – تعالى – بأعظم صفات الرحمة دون أن يقترح شيئا أو يطلب شيئا ، وهذا من الأدب السامى الذى سلكه الأنبياء مع خالقهم – عز وجل – فأمره الله أن يضرب برجله الأرض، فامتثل عليه والسلام ما أمره الله به، وأنبع الله تبارك وتعالى له بمشيئته وقدرته عينين فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى، فأذهب الله عنه ما كان يجده من المرض وتكاملت العافية وأبدله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة لقوله تعالى :”ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ”, ص- 42،ويذكر الله – عزّ وجلّ-على لسان سيدنا إبراهيم -عليه السلام- نِعم الله عليه، فيقول الله- تعالى-: “الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِين* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ” الشعراء -80 فذكر نعمة الله بالشفاء، وفي موقع وسط بين الخلق والإطعام من جهةٍ، وبين البعث والمغفرة من جهة ثانية.
ونَسب -عليه السلام- المرضَ بأنّه من نفسه تأدباً، والشفاء من الله ولأنّه يذكر نعمه تعالى عليه ناسب ذِكر نعمة الله عليه بالشفاء،ونسب إبراهيم -عليه السلام- الشفاء لله – تعالى- وحده؛ لأنّه وحده الشافي، ولم ينسب الشفاء إلى الطعام أو الشراب؛ لأنّها من أسباب الشفاء، والشفاء الحقيقي من الله وحده. وقد يكون الابتلاء بالمرض من علامات حبِّ الله للعبد لقوله – صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم)، لذا على العبد أن يصبر على المرض؛ طمعاً بمحبّة الله عز وجل .
أ . د / مفيدة إبراهيم علي – عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية .

زر الذهاب إلى الأعلى