عاجل

والعمل الصالح يرفعه

والعمل الصالح يرفعه:للاستاذالدكتورعلاءااحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

متابعة/ ناصف ناصف

ــ شعبان شهر مفضل، ليس فضله في أنه شهر النبي وفقا لحديث “شعبان شهري ورمضان شهر أمتي”؛ فذلك حديث باطل، إنما استمد فضله من عدة مزايا اختُص بها، فهو شهر الحصاد للأعمال الصالحة؛ حيث “تُرفَع فيه الأعمال إلى الله”؛ لذا كان النبي يُكثر من الصيام فيه، حتى قيل: إنه “كان يصوم شعبان كله”، والأرجح أنه لم يتم صيام شهر إلا رمضان، وفُسِّر حديث “يصوم شعبان كله” بأن كلمة “كل” تعني المعظم عند العرب وتُستعمَل للمبالغة، كقولهم: قام فلان الليل كله، والواقع أنه قام معظم الليل، وكثرة صيام النبي في شعبان تؤكد أن أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان مع أن النبي يقول: “أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم”، لكن أفضلية صيام شعبان ترتكز على أن السُّنة الفعلية مقدَّمة على السنة القولية.

ــ وكون شعبان شهرا تُرفَع فيه الأعمال لا يعني اقتصار قبول العمل على شهر شعبان، فباب السماء يُفتَح لقبول الصالحات وإنزال الرحمات متى شاء الله، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، {يَصْعَدُ} يرتفع ويرتقي، والمراد قبوله عند الله، والكَلِم الطيب هو الكلام الحسن الذي يحبه الله ويثيب عليه، مثل الذكر والدعاء والاستغفار والتلاوة والتوبة والقول الحسن للناس والأمر بالخير والنهى عن الشــر، والعمل الصالح كل ما يقوم به المؤمن من فعل أو سلوك يثاب عليه عند الله، ويتمثل في أداء الفرائض والنوافل والتعامل الحسن مع الناس والتعاون على البر والتقوى وفعل الخير مطلقا، وحرف العطف (الواو) يؤكد مدى ارتباط الكلم الطيب بالعمل الصالح حتى قيل: إن “الله لا يقبل قولا إلا بعمل، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية، ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السُّنة”، ولعل في ذلك مبالغة، فكُلًّا يقبله الله منفردا وإن لم يصطحبه الآخر، فالمؤمن المقصِّر في الفرائض إذا ذكر الله بكلام طيب يتقبله الله منه ويثيبه عليه، ويعاقبه على تقصيره في الفرائض إن شاء أو يتوب عليه، فالله {لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}.

ــ وتقديم الجار والمجرور {إليه} للتخصيص والتوكيد، أي إلى الله وحده يصعد الكَلِم الطيب، والعمل الصالح من المؤمن يقبل منه ويثاب عليه، واختلف العلماء في تحديد فاعل {يَرْفَعُهُ}، فقيل: هو الله، والضمير (الهاء) المتصل بالفعل يعود إلى العمل، ويحتمل أن يكون الفاعل هو العمل الصالح، والضمير يعود إلى الكلم الطيب، والمعنى أن العمل الصالح هو الذي يرفع الكَلِم الطيب، فلا يُقبَل الكَلِم الطيب إلا بواسطة العمل الصالح، وهذا يعني ارتباط القول بالعمل في الإسلام، ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرا يعود على الكَلِم الطيب، والضمير المتصل بالفعل يعود إلى العمل، أي أن العمل الصالح يرفعه الكَلِم الطيب، وهذا يعني أن العمل الصالح لا يُقبَل إلا مع التوحيد والإيمان والدعاء والذكر والقول الحسن للناس، ويحتمل أن يعود الضمير (الهاء) على المؤمن، والمعنى أن العمل الصالح يرفع المؤمن، أي يرفع منزلته عند الله.

ــ والأرجح من هذه التفسيرات أن فاعل {يَرْفَعُهُ} هو الله، وأن الضمير المتصل عائد إلى العمل الصالح، والمعنى أن الله هو الذي يقبل الأقوال الطيبة من المؤمنين، ويرفع أعمالهم الصالحة؛ لأن إسناد الرفع إلى الله إسناد حقيقي، وإسناده إلى العمل الصالح أو الكَلِم الطيب إسناد مجازي، والتفسير على الحقيقة أَوْلى ما لم يمنعه السياق، وهو ما أسماه الأصوليون بـ”القرينة الصارفة”، ومع ذلك فكل هذه التفسيرات اللغوية صالحة تنتج ثراءً دلاليا للخطاب القرآني، ولعل ذلك مظهر من مظاهر الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم.

ــ في شعبان فُرضت عبادة خاصة أداها الله وملائكته قبل أن يؤديها المسلمون، وهي عبادة “الصلاة على النبي”؛ حيث نزل في شعبان قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وهذه الآية تبيّن مكانة النبي في الأرض والسماء، والصلاة من الله تشريف ورحمة، ومن الملائكة دعاء وبركة، ومن المؤمنين استغفار وتوبة، ولما نزلت هذه الآية غبطه الصحابة، وقالوا: يا رسول الله ألك خاصة وما لنا فيها شيء؟ فسكت النبي، فنزلت آيـة {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}، نزلت من أجل رسول الله، فهو نعمة لنا من الله، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى