مقالات

النائب هشام سعيد الجاهل في حوار صحفي عن ظاهرة التسول

 

التسول ظاهرة اجتماعية تنتشر في دول العالم أجمع، ولدت في الدول النامية ولم تخل منها تلك المتحضرة، لغير القادرين على توفيرحاجاتهم بالعمل، إن بسبب الفقر أو العوز أو المرض أو العجز أو نتيجة ضعف الملاحقة القانونية، أضف إلى ذلك الحروب والنزاعات وعدم ممارسة المؤسسات المعنية المتخصصة لدورها.
ولا شك في أن التسول ظاهرة قديمة لكنها بدأت تأخذ أشكالاً جديدة مستحدثة إلكترونية وموسمية خاصة بالمناسبات والأعياد وغيرها.
وقد استفحلت بعد انتشار كورونا في ظل التردي المستمر للأوضاع الاقتصادية والسياسية، فما هي الظروف والضغوط المجتمعية التي تدفع بأولئك الأشخاص إلى استجداء عطف الناس وطلب يد المساعدة؟
ومن هي فئة المتسولين؟ وما هي أشكال التسول؟ وكيف تحولت مواقع التواصل إلى أداة للاستجداء؟ وما آثار ظاهرة التسول على المجتمع؟

التسول أزمة تستعصي على الحل في مصر

من الرضع وحتى المسنين، يتنوع المتسولون الذين لا يكاد يخلو شارع منهم في العاصمة القاهرة وغيرها من المدن المصرية. فالظاهرة القديمة تزداد انتشاراً على الرغم من الحملات الأمنية، وسط دعوات بتشديد التشريعات لردع المتسولين عن تحقيق مزيد من الأرباح على حساب “فاعلي الخير”.

وتشير البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية المصرية إلى زيادة قضايا التسول خلال أغسطس (آب) الماضي بنسبة نحو 40 في المئة، حيث بلغت قضايا التسول 2280 قضية ارتفاعاً من 1689 قضية خلال الشهر السابق يوليو (تموز)، وذلك من خلال الحملات الأمنية التي تقوم بها في الميادين والشوارع الرئيسة في مختلف المحافظات.

استغلال المصريين

وعلى الرغم من عدم توافر أرقام رسمية عن أعداد المتسولين في مصر، إلا أن عضو مجلس النواب علاء والي قال في بيان صادر عام 2017، إن العدد بلغ نصف مليون شخص منهم ما يزيد على 97 ألفاً من الأطفال. وتقدر تقارير صحافية المتسولين بأكثر من ذلك الرقم، كما أن الظاهرة تتفاقم خلال شهر رمضان الذي يشهد ما يسمه المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في تقرير سابق “تسول موسمي”، إذ “تزداد أعداد المتسولين بشكل ملحوظ في الشوارع، استغلالاً للحالة الروحانية لدى المصريين في الشهر الفضيل، واتجاه البعض لدفع زكاة الفطر وتوزيع وجبات على المحتاجين في الشارع”.

لكن وقائع كثيرة شغلت الرأي العام المصري شككت في كون كل متسول محتاجاً، إذ تداولت وسائل الإعلام أكثر من مرة أنباء عن القبض على أشخاص يمتهنون التسول على الرغم من امتلاكهم عقارات وسيارات وأموال بالملايين في البنوك. وهناك مقاطع فيديو كثيرة صورت خلسة متسولين يتحدثون عن مكاسبهم الكبيرة. ففي مايو (أيار) العام الماضي، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشخص يتفاخر بامتهانه التسول، مؤكداً أنه يدخن أفخم أنواع السجائر ويكسب 50 ألف جنيه شهرياً من سؤاله المارة في الشارع. وعقب انتشار الفيديو، ألقت أجهزة الأمن القبض عليه في مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية شمال القاهرة، وتبين أنه سبق أن اتهم بقضايا تسول في محافظات عدة.

وبشأن الحكم الشرعي للتسول، أفادت دار الإفتاء بأن الحكم الشرعي لـ”سؤال الناس” يختلف باختلاف الأحوال، موضحة على موقعها الإلكتروني أن السؤال يكون على قدر الحاجة، أما من لديه من يكفيه فيحرم عليه سؤال الناس.

شبكة مافيا

ويؤكد عضو مجلس الشيوخ والخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي أن التسول وسيلة لكسب المال بسهولة، ولا علاقة له بالحاجة المادية أو الظروف الاقتصادية، مشيراً إلى لجوء المتسول إلى أسلوب استدرار العطف باستخدام الأطفال في كثير من الأحيان، وكذلك الإلحاح الذي يدفع المارة وقائدي السيارات لمنحه المال، ظناً منهم أنهم يقومون بعمل الخير والإحسان، ولا يعلمون أنهم يساعدون ذلك المتسول في الاستمرار بامتهان سؤال الناس باعتبارها الطريق الأسهل لكسب المال. وأكد أن التسول ليس ظاهرة فردية وإنما شبكة أشبه بـ”المافيا”، لأن في كل منطقة يكون هناك “بلطجي” يقف وراء “تسريح” هؤلاء المتسولين، ويحصل منهم على جزء كبير من “إيراد” التسول اليومي.

وقال مساعد وزير الداخلية الأسبق لـ”اندبندنت عربية”، إن تغيير الإطار التشريعي ضروري لمواجهة ظاهرة التسول، التي لا يتم القضاء عليها على الرغم من الحملات الأمنية المستمرة، لافتاً إلى ضعف العقوبة للمتسول وفق القانون، كما أن 90 في المئة من المضبوطين يحصلون على براءة أو حكم مخفف في المحكمة، بسبب تعاطف القضاة مع المتسولين، واعتبارهم لم يحصلوا على فرصة لكسب رزقهم عن طريق آخر.

الإطار التشريعي

وينص قانون مكافحة التسول على معاقبة المدان بجريمة التسول في الطرق العامة بالحبس لمدة شهرين، في حال كان صحيح البنية، والحبس لمدة شهر إن كان “غير صحيح البنية”، وتزداد العقوبة إلى 3 أشهر لمن يتصنع الإصابة بجرح أو عاهة للتسول، أما من استخدم طفلاً في التسول أو سلمه لآخر لهذا الغرض، فعقوبته الحبس بين 3 و6 أشهر. تلك العقوبات التي يراها اللواء المقرحي غير كافية معمول بها منذ عام 1933، ما دفع إلى إطلاق دعوات لتحديث التشريعات لمواجهة التسول. ووصلت تلك الدعوات لمجلس النواب حيث أعد عضو مجلس النواب هشام الجاهل مشروع قانون لمكافحة التسول والتشرد.

وأوضح عضو مجلس النواب أنه اعتزم تقديم مشروع القانون بعدما قرأ خبراً عن أحد السياح يرتدي قميصاً مكتوب عليه “أنا مفلس” ليبعد عنه المتسولين، وهو ما يسيء لصورة مصر كبلد سياحي. وأشار إلى أن القانون يهدف لمكافحة التسول عبر وضع حلول تسبق العقوبات، باعتبار المتسول جزءاً من المجتمع والدولة ملتزمة برعايته.

وعرّف مشروع القانون المتسول بأنه “كل شخص وجد في الطريق العام أو الأماكن أو المحلات العامة أو الخاصة يستجدي صدقة أو إحساناً من الغير، حتى وإن كان غير صحيح البنية أو غير قادر على العمل. أما المتشرد فهو كل من وجد متسكعاً أو نائماً في الطريق العام أو الأماكن أو المحلات العامة أو الخاصة، ولم يكن له مأوى أو وسيلة مشروعة للعيش”. وحظر القانون التسول والتشرد في الطريق العام والأماكن العامة والخاصة، حتى وإن كان ذلك المتسول “غير صحيح البنية أو غير قادر على العمل”. ونص مشروع القانون على أن من يجد متسولاً أو مشرداً فليبلغ دار رعاية متخصصة لدراسة حالته وإجراء الفحص الطبي والنفسي.

تكرار الفعل

وأكد الجاهل أن على الدولة الالتزام بتوفير العمل اللازم للمشرد في حال قدرته على العمل، ورعايته في دور رعاية إذا لم يكن قادراً. أما العقوبات التي نص عليها مشروع القانون فهي لا تطبق في المرة الأولى للقبض عليه، وإنما يودع بدار الرعاية، وفي حالة الهرب منه أو العودة للتسول حينها تطبق العقوبة وهي الحبس 3 سنوات وغرامة قدرها 5 آلاف جنيه (258 دولاراً) أو إحدى العقوبتين، وتضاعف العقوبة إذا عاد للفعل نفسه مرة أخرى بعد قضاء العقوبة، وتصل العقوبة إلى السجن 5 سنوات والغرامة 50 ألف جنيه (2587.5 دولار) أو إحدى العقوبتين لمن استخدم شخصاً آخر في التسول، وتضاعف العقوبة إن كان ولياً أو وصياً على الشخص المستخدم أو المحرض على التسول أو التشرد.

وأشار النائب إلى أنه يقوم حالياً باستكمال التوقيعات اللازمة من النواب لتقديم مشروع القانون رسمياً إلى إدارة الأمانة العامة لمجلس النواب، تمهيداً لمناقشته. وأكد أن التسول غير مرتبط بالأوضاع الاقتصادية وإنما هو نشاط إجرامي مرتبط بشبكات منظمة من المنتفعين يشبهون “المافيا”، الذين يتحكمون في عدد من المتسولين لتحقيق مكاسب مالية بسرعة وسهولة.

استغلال الأطفال

الضحية الأكثر تضرراً في التسول غالباً ما يكون الطفل الذي يستخدمه المتسول لاستعطاف المارة، سواء أكان المتسول من أسرة الطفل أم لا. فبعض هؤلاء الأطفال يكونون “مستأجرين” مقابل نحو 100 جنيه يومياً، تعطى للأم مقابل استغلال المتسول الطفل في أعماله، وضبطت قوات الأمن حالات مشابهة عدة، وفق تقارير صحافية محلية.

وذكرت وزارة التضامن الاجتماعي في إحصائية العام الماضي أنه بين أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وحتى مطلع 2021، ضبطت قوات الأمن 1690 متسولاً ومتسولة، منهم 870 طفلاً دون سن الثامنة عشرة، أي ما يشكل نحو 52 في المئة من إجمالي المتسولين، وتشكل النساء والأطفال معاً حوالى 90 في المئة من المتسولين المضبوطين.

وبحسب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث (صغار السن)، محمود البدوي، فإن القضايا المضبوطة أقل بكثير من نسب الاستغلال الذي يتعرض له الأطفال، مشدداً في تصريحات صحافية على ضرورة تحرك الأجهزة لإنقاذهم من شبكات المتسولين، بالإضافة لأهمية تحديث التشريعات بالتوازي مع التوعية للأسر للمحافظة على أطفالهم.

وتوجد 7 دور لرعاية المتسولين تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، في 6 محافظات مصرية، وتقدم خدماتها لنحو 300 شخص، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة بنهاية عام 2016.

زر الذهاب إلى الأعلى