ثقافةدنيا ودينعاجلمقالات

” يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصار”

بقلم / د . مفيدة إبراهيم علي عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية

قال تعالى : “وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصار ” إبراهيم- 42 – 43, و الْغَفْلَةُ تعْنًى أن يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الأمور وفي الآية تَهْدِيدٌ لِلظَّالِمِ، و وعيدٌ شديدٌ للظالمين، وتسليةٌ للمظلومين، حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق، فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم والظلم -هنا- يشمل الظلم فيما بين العبد وربه وظلمه لعباد الله. أي لا تحسب أنّ الله تعالى يغفل عما يفعله الظالمون من أعمال، بل هو سبحانه يمهلهم وينظرهم ويحصي لهم أعمالهم ويعدها عليهم عدّاً، ويؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، وهذا اليوم هو يوم الأهوال الشديدة وهو يوم القيامة. لقد ظنوا أن إمهالهم قد يعني النسيان أو أنهم أكبر وأبعد من حساب الله. والأمر غير ذلك: ما نسيهم الله ولا هم أكبر من الحساب والمؤاخذة إنما أمهلهم ليختبرهم بالعطاء والنعم فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما، حتى إذا أخذه لم يفلته. والمحسوبيات في مجتمعنا تعد أبرز سمة للظلم ابتلي بها كثير من الناس فكان لهم نصيب منها وقد طغت ذيولها واتخذت أبعاداً مختلفة ولم تدع جهة ولا موقعاً ولا إدارة ولا مؤسسة إلا وطالتها وتسمّى أحياناً بالواسطة . التي تجعل مسؤولا مهما يلوي عنق اللوائح ويطيح بالقوانين ويناقض نفسه فيما أتخذ من قرارات تلبية لرغبة من اجتمع معه على المصالح الشخصية وتجلت بينهما الأهواء الذاتية لترخي الواسطة بستائرها من أجل المصلحة ولذلك تعد المحسوبية عنصراً من عناصر الفساد المجتمعي الذي يؤدي إلى التراخي في شتى مرافق حياة الناس وتواكلهم طالما أنها تفشت وأضحت متكأً أو ملجأً لأصحابها والمنتفعين منها وانطلاقاً من ( ألا مبدأ) أصبحت ثقافة تربت عليها أجيال وتوارثتها أجيال تلو أجيال فالمحسوبية تقوم على مخالفة الأنظمة والتعليمات المرعية مما يترتب عليه ضرراً مادياً أو معنوياً وهذا ما نعانيه في تعاملاتنا الحياتية على أرض الواقع تلك المحسوبية الذميمة والمجاملات القميئة التي تستهدف غير المستحق على حساب من يستحق والظالم على حساب المظلوم والجاني على حساب المجني عليه والمتعالم على حساب العالم . إنّ المحسوبيات لها آثاراً سلبية مدمّرة تؤثر على المجتمع وتنحدر به نحو الفشل والتراجع والتأخر وعاقبتها وخيمة على الأمة وطريقها محفوف بالدمار و الهلاك، وهي معصية لله تعالى وضياعاً لمصالح الناس بغير حق. فهي الوجه الآخر للرِّشْوة وأرى أنَّ كليهما – في غالِب الصُّور – وجْهان لِمنتج واحد، يحقِّق مصلحة فرْد من النَّاس على حساب آخَر، أو على حساب مجتمعٍ بأكمله.حيث مازلنا نَجِد مَن يُمارسها على حساب غيرِه بكل أريحيَّة، ولا يرى الوجْه السيِّئ لها أن التمرُد والقفز على القانون ينشران ثقافة المحسوبيات ويُرسخان التحدي ” البارِد ” والمنظم ويُضعفان احترام القانون وبالتالي سيرزح المجتمع تحت سُلطة المحسوبيات وسيزداد التراخي.فإذا ما وجدّ الوعي عند الأفراد ومراعاة حقوق العباد وتقوى الله ؛ فإن الحقوق تكون يسيرة المنال والحياة أفضل ممارسة والمؤسسات تمضي للتطوير بسهولةٍ فالقريب والبعيد سواء في جميع الحقوق والواجبات .

زر الذهاب إلى الأعلى