اخبارتحقيقاتتقاريرعاجل

قـيـمـــة الزراعــة في الإسلام: بقلم الدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذ بجامعة المنيا

متابعه/ناصف ناصف

ــ قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، هذا الخطاب تكليف مباشر للإنسان بإعمار الأرض واستثمار خيراتها في تقدم المجتمع، ومن مظاهر الإعمار “الزراعة”، فهي من أهمّ المرتكزات الاقتصادية لبناء الوطن والارتقاء بالمجتمع؛ لأنَّها مصدر الغذاء وأساس المواد الخام للصناعة، وأكد الإسلام أن من أصبح معافى في صحته آمنا في بلده عنده رزق يومه فقد امتلك الدنيا وبالتالي امتلك القوة، وعلى ذلك فالأمة التي لا تمتلك غذاءها لا تمتلك قرارها؛ لذا أمر الإسلام بالزراعة، فجاء في الحديث «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ» أي يعطيها لغيره يزرعها باتفاق بينهما، بل بلغت عناية الإسلام بالزراعة أن قال النبي: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»، فهذا الحديث يبيّن مكانة الزراعة في الإسلام ويحث الإنسان يكون خيّرا إيجابيا مِعطاء فعّالا في المجتمع حتى آخـر لحظات حياته، بل يكون كذلك في لحظات الشدة والضيق والخوف وإن لم يستفد هو من عطائه، ويعدّ عمله للمجتمع عبادة؛ لأن ما يعود نفعه وخيره على المجتمع أفضل مما يعود على الفرد فقط.

ــ وحفز الإسلام على الزراعة، فجاء في الحديث «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ»، وجاء أيضا «سَبْعَةٌ يجْرِي عَلَى الْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي بــِرِّهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَكْرَى نَهْرًا (وسَّعه، شقَّه)، أَو حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلاً، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ»، وصح عن النبي «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ»، لكن هذا الإحياء مقيد بعدم التعدي على الملكية العامة أو ممتلكات الآخرين أو مخالفة القوانين، فإن ذلك يعدّ ظلما كبيرا، وجاء في الحديث “مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِين”، ومن الظلم تجريف الأرض الزراعية لاستثمارها في البناء؛ لأن ذلك يؤدي إلى نقص المنتجات الزراعية، فيؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني فيرهق الدولة ويزيد أعباء المواطنين، ومن الظلم احتكار المنتجات الزراعية، فحرّم الإسلام الاحتكار، فجاء في الحديث “المحتكر ملعون” و”من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ الله منه”، فليتقِّ اللهَ المحتكرون وليعلموا أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.

ــ وبلغت عناية الإسلام بالزراعة إلى تشبيه الإيمان بالشجرة المثمرة وتشبيه الكفر بالشجرة الفاسدة في إشارة إلى توجيه الناس إلى زراعة النباتات المفيدة لهم، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا .. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}، وضرب الله المثل للمنفقين أموالَهم في سبيلِ الله بالزرع في إشارة لبيان كثرة خيره، فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ}.

ــ وغرس النبي في الأمــة حب الزراعة إلى حـدّ أنه «قال: إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ الله لَهُ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: خذه يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ، فَقَالَ أَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، أَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ»، والمعنى أن الجنة مع ما فيها من النعيم {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ} طلب رجل أن يزرع في الجنَّةِ بنفْسِه، فقال اللهُ له: ألَسْتَ تَتقلَّبُ في النَّعيمِ؟ فأقـرّ الرجل بذلك لكنه رغب أن يزرع، فأذن الله له فيما طلب، فأَلْقى الرَّجُلُ البُذُورَ على أرضِ الجنَّة، فخرج النَّبات واستوى واشتد وتـمّ حصاده في لمح البصر، وكان النبات مِثْل الجِبالِ في ضَخامتِه، وعبارة «فإنَّه لا يُشبِعُك شَيءٌ» تدل على أن الطمع سمة غالبة في الإنسان إلا من رحم ربي، فلمَّا سَمِع الأعرابِيُّ الحديثَ قال مُداعبا: واللهِ لا تَجِدُهُ إلَّا مِن قُرَيشٍ أو مِن الأنصار؛ فإنَّهم أهْل الزَّرع، أمَّا نحْنُ الأعرابَ فلَسْنا بأصحابِ زَرْعٍ.

ــ وقد نالت الزراعة ومنتجاتها حظا وافرا من آيات القرآن، ولعل أبرز ما لَفَتَنا القرآنُ إليه أن إنبات الأرض وإخراج الثمار منتجات زراعية متنوعة آيـة من آيات قدرة الله تدعو إلى التفكر والتدبر وصولا إلى الإيمان بالله، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى}، خاشِعَةً: يابسة جدبة، يقال: خشعت الأرض إذا أجدبت لعدم نزول المطر عليها، واهْتَزَّتْ: تحركت بالنبات لما غمرها الماء، ورَبَتْ: انتفخت وعَلَتْ إذا قارب النباتُ الظهورَ فوقها، والفعل (أحياها) يدل على أن الأرض كانت ميتة فأحييت بالزراعة، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ}، الأرض الجرز هي الأرض اليابسة التي قُطِع نباتها لسببٍ ما، والمعنى ألم يشاهدوا بأعينهم أَنَّا نَسُوقُ بقدرتنا الْماءَ الذي تحمله السحب إلى الْأَرْض اليابسة، فَنُخْرِجُ بهذا الماء زَرْعاً كثيرا نافعا لهم ولأنعامهم؟ والفعل (نسوق) يدل على الدفع والسرعة والإسعاف، وقـدّم القرآن الأنعام على الناس للترقي من الأدنى إلى الأعلى، والاستفهام تعجبي استنكاري من عدم تدبرهم دلائل قدرة الله مع الدعوة إلى التفكُّر والتأمُّل وصولا إلى الإيمان بالله، وكذاك الاستفهام {أَفَلا يُبْصِرُونَ}، وسُئِلَ الشافعيُّ: ما الدليل على وجود الله؟ فقال: ورقةُ التوت طعمُها واحدٌ، لكنْ إذا أكلَهَا الدود أخرجَهَا حريرًا، وإذا أكلَهَا النحلُ أخرجَهَا عسلًا، وإذا أكلَهَا الظبيُ أخرجَهَا مسكًا، فمَن الذي وحَّدَ الأصلَ وعدَّدَ المخارجَ؟ إنه الله.

زر الذهاب إلى الأعلى