مقالات

سيارة الحياة

بقلم دكتور/ عبدالرحمن موسى

لكي نصل أحياناً بأمان إلى الإستقرار في دروب حياتنا علينا:
-أن نغيّر الواقع أو نضطر للتماشى معه.
-أن نجابه الأمواج أو ننصاع لهجومها.
– أن نميل عن الحُفَر أو نتوقف لردمها.
-أن نبني الحوائط أو نتعلم تسلّقها.
-أن نستقيم في الحياة أو نتقن مراوغتها.
-أن نعتمد على النفس أو نكبح جماحها.
-أن نحتاط من البشر أو ننتظر خذلانها.
وألا نكون كـ سيارة هذا الشاب، الذي كان يسير مزهوّاً بها، فلقد أعدَّها بنفسه، أعاد صناعتها، وطلاء ألوانها، وتغيير تفاصيلها، وتجميل دواخلها.
كان يعلم قوة محركها، وقدرة سيرها، وصلابة هيكلها، وتاريخ صنعها.
إذا ألمّ بها عارضٌ قام بإصلاحه، وإذا داهمها باغضٌ قام بمعاقبته.

كانت سيارته هي حياته، ومخبأ أسراره، ومركز أعماله، يبث إليها همومه وشكواه، ويزود عنها بكل ما الله أعطاه، فهي راحته وعبيره ودواه.
وإذ بها أثناء سيرها آمنةً مطمئنةً تنحرف فجأةً على غير إنذارٍ سابق، فتقذف بصاحبها من مرتفعٍ شاهق.
وتوقف حركتها، وتمنع مسيرتها، وتُطفئ إنارتها.

فناداها صاحبها والجروح تُدميه، والدماء تُغطّيه
لمَ هذا يا ثروتي؟
فانتظرت حتى هدأ محركها ونظرت إليه بلا مبالاةٍ قائلة ( محدش يستاهل، طول عمري بديك، وسلمتك مفاتيحي وبتروح بي أي مكان وياما عملت عشانك، ومقصرتش في أي حاجه، وجه الوقت اللي أنتبه فيه لنفسي وحياتي وأستريح من التعب والمشاوير، والناس بتقولّي خدي بالك من نفسك الدنيا مش دايمه لحد ومحدش هينفعك)

فردّ عليها قائلاً
(من امتى كنا بنعاير بعض ونمُن على بعض، إنت أعطتيني كل حاجة حلوه وأنا مفكرتش أشتري أحدث منك وكنت شايفك أغلى وأجمل سيارة في الدنيا، كنت كل شوية أجدد فيكي وأعتني بيكي، كنت بشعر براحتي وأنا جواكِ، وأطمئن وأنا ماشي بيكي )

ثم نظر إليها مذهولاً مخذولاً بعد أن استعاد وعيه، وهدأ روعُه وثبتَ عقلُه فقال : أيتها السيارة:
شكراً على هذا الدرس لقد علمتيني أن الدنيا دنيّة، لاتدوم لأحد ولا تقف على أحد.
لكن كان من الأولى إذا أفضى إليكِ صاحبكِ بخلجات روحه، وباحَ لك بدقيق سره.
ألا تمُنّي عليه كل وقت وحين، فالحياة أخذٌ وعطاء، نقصان ونماء، وأحبابٌ وأعداء، وراحةٌ وعناء.
وللنفوس أحياناً أحوالٌ وأفعالٌ لا تقاس بمقياس ولا تُحسُّ بإحساس، فالغالب عليها جميل الغراس واستحالة الإنتكاس.
أيتها السيارة:
إن غراس الحب الذي نزرعه إما أن نتفيّأ من وارفِ ظلاله، أو نتقيأ من مرارة تجرّعه.
أيتها السيارة:
إن سحائب العطاء التي تُظلنا إما أن تمطرنا بالندى الذي يرطِّب قلوبنا أو تنبت فينا الشوك الذي يجرحنا.
أيتها السيارة:
إن ألوان السعادة التي ننشرها على القلوب إما أن تلتقينا بين محطّات الحياة، أو تصدمنا على الجباه.
أيتها السيارة:
طالما أني أجادلك فهذا يعني بأنني ما زلت أُكنُّ لك المشاعر، فلا تخافي كلماتي المليئة بالقسوة، فهي مجرد غلاف خارجي بل خافي حينما أكفُّ عن الحديث ويقل التواصل،
فوقتها لن تنفع الكلمات أو تُجدي العبارات أو تؤثر الدمعات.
أيتها السيارة:
انتظري أياماً ستبكين فيها ندماً حينما تقفين وحيدة يعتريكي الصدأ، وتجلسين على سواحل الفكر، وشواطئ الحنين، وعواصف الذكرى، تهُب عليكِ الأعاصير لتقتلع قلبك المثخن بالألم، وروحك البائسة.

وأخيراً أيها السائرون في دروب الحياة أقول لكم ولنفسي:
‏‎يجب أن تتمسّك بالذين يبادلونك الثقة والإحترام، الذين يهوّنون عليك ضغوطات الحياة، وقسوة التحديات، وتخطّي العثرات، الذين يستمعون لحديث قلبك، ومفاهيم عقلك ونضج فكرك.
ضع نصب عينيك أن ‏‏‎الدنيا لا ولن تقف يوماً على أحد فلن يقدمّك أحدٌ عن نفسه، مهما جمعتَ له الدنيا بحذافيرها، وقدمت له من حباريرها، وألبسته أثمن أساويرها.
فلا تتمسك بمن يحاول الخلاص منك ومن اختار بديلاً عنك، من استبدل ثقتك فيه بمصلحته ومنفعته، ولا تترجاه كي يدوم لك، أو تستجدي المفارقين عمداً، واعلم بأنك ستجتاز الصعاب بقربك من ربك، وليس بقرب أحد أو ابتعاده عنك.

دمتم فرحين سعداء، حياتكم مـلأى بالخير والعطـاء.

زر الذهاب إلى الأعلى