مقالات

ألا له الخلق والأمر

متابعة ناصف ناصف

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية.

الله خالق كل شيء، وهو مالك الملك، ولا يحدث في ملكه شيء إلا بإذنه، ولذلك فحكمه وأمره هما اللذان يجب أن ينفذا في كل شيء، ولا يصح أن يكون الناس إلا عباداً لخالقهم العلي القدير، ولا أن يحتكموا إلا لربهم العزيز الحكيم , خالق الأشياء والإنسان، وهو الذي بيده الثواب والعقاب، ويقضي ويفصل بين الناس.

يقول تعالى: “إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين “-٥٧ الأنعام ، أي : وهو خير من فصل القضايا ، وخير الفاتحين الحاكمين بين عباده .ويقول جلت قدرته: “إن الحكم إلاّ لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه” يوسف -40 ويقول جل وعلا: “إن الحكم إلاّ لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ” يوسف -67 هذا تفويض يعقوب عليه السلام أموره إلى الله فكل الخَلْق أمرهم راجع إلى الله، وعليه يعتمد يعقوب، وعليه يعتمد كل مؤمن. ” إِنِ الْحُكْم إِلَّا لِلَّهِ ” أي : مَا الْقَضَاء وَالْحُكْم إِلَّا لِلَّهِ دُون مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَشْيَاء , فَإِنَّهُ يَحْكُم فِي خَلْقه بِمَا يَشَاء , فَيَنْفُذُ فِيهِمْ حُكْمه , وَيَقْضِي فِيهِمْ وَلَا يُرَدّ قَضَاؤُهُ . ” عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ” “أي فَوَثِقْت بِهِ وَفِي حِفْظه وَإِلَى اللَّه فَلْيُفَوِّضْ أُمُورَهُمْ الْمُفَوِّضُونَ . ويجب أن يكون إفراد الله بالحاكمية، كإفراده جلّ وعلا بالخلق، ولا يصح أن يكون أحدهما أقل يقينية من الآخر، فالله تعالى يقول: ” ألا له الخلق والأمر” الأعراف -54 أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية، ثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء، فكما أنه الخالق، فهو أيضاً الآمر الناهي، فأمره بين العباد وكذلك نهيه.

وكل ما يبعدك عن الالتزام بهذا الحكم الشرعي، من أهل أو مسكن أو عشيرة أو مال، فهو ند لله تعالى فمن أفتاك بمخالفة الله، وأطعته في فتواه، فقد اتخذته رباً من دون الله. سئل حذيفة بن اليمان عن قول تعالى: “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله”التوبة -31 هل عبدوهم؟ فقال: لا، ولكن أحلّوا لهم الحرام فاستحلوه، وحرّموا عليهم الحلال فحرّموه.

واستقرار هذه الحقيقة، حقيقة أن الحكم لله وحده، في نفس المؤمن، ينير له الطريق، ويحدّد معالمه، فلا يلتفت يمنة أو يسرة، باحثاً عن الأحكام والحلول والمعالجات، ويسكب في نفسه الطمأنينة إلى طريقه، والثقة بمواقع خطواته، فلا يتشكك ولا يتردد ولا يحتار، ويعتقد جازماً أن الله راعيه وحاميه ومسدّد خطاه؛ فهو بمقدار يقينه بصدق توجهه، متيقن بفساد التوجهات الأخرى، وعدم صلاحية المعالجات والآراء المغايرة لما هو عليه من صدق يقين.

“إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَق” هكذا ينبغي أن يكون لسان حال المؤمن، هكذا ينبغي أن يكون تمسكه بالحق، هكذا ينبغي أن يكون اعتقاده في حكم الله وأمره. “إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ” فكما أنه هو الذي حكم بالحكم الشرعي، فأمر ونهى، فإنه سيحكم بالحكم الجزائي، فيثيب ويعاقب، بحسب ما تقتضيه حكمته. “وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ” بين عباده، في الدنيا والآخرة.

زر الذهاب إلى الأعلى