مقالات

الإسراء إعـلاء وتكريم:للاستاذ الدكتورعلاء الحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

الإسراء إعـلاء وتكريم:للاستاذ الدكتورعلاء الحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

ـمقال عن ذكرى الاسراء والمعراج للاستاذالدكتورعلاءااحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

ـ اعتاد المسلمون أن يحتفلوا برحلة الإسراء والمعراج في شهر رجب مع أن العلماء مختلفون في توقيت حدوثها، وإن عدم الجزم بتحديد التوقيت يشير إلى عدم ارتباط الحدث بالزمن، فهو معجز في ذاته تجاوز حدود الزمن، وقد جاءت هذه الرحلة تكريما للنبي نتيجة أمرين: أحدهما: حزنه الشديد على وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة في عام واحد، وفي حزنه إباحة للحزن على المفقود مع عظمة ثواب الصبر والرضا بالمكروه، والأمر الآخــر: “ثباته على الحق”؛ حيث سلك المشركون مع النبي للرجوع عن دعوته أسلوبين: الترغيب، فقالوا لأبي طالب: ماذا يريد محمد؟ إن كان يريد جاها أعطيناه، وإن كان يريد مالا أغنيناه، وإن كان يريد المُلك توّجناه، فلما سمع النبي بذلك قال: “والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه”، ونستنبط هنا ثلاثة دروس: تقديم الترغيب على الترهيب، وتغليب المصلحة العامة (نشر الدين) على المصلحة الخاصة (مكتسباته من قريش)، والثبات على الحـق.
ــ فلما يئس المشركون لجأوا إلى الترهيب بالأذى الشديد، وبلغ مداه بإدماء قدميه، وكان النبي لا يبالي بذلك في سبيل الثبات على الحق، إنما كان يحزنه صدّ الناس عن الإسلام، وقد ازدادت إهانتهم لرسول الله؛ فلجأ إلى الله بالدعاء “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي”، فأراد ربنا أن يبيّن للنبي مكانته عند ربه وفضله على خلقه، فأحيا له الأنبياء يؤمّهم في صلاة نافلة بالمسجد الأقصى، وفي ذلك إشارة إلى أن دين الله واحد، ثم قـــرّر ربنا أن يعزّيه في زوجه وعـمّــه، فاستضافه في جنة المأوى.
ــ تجاوز الحدث حدود العقل البشري؛ لذلك بدأ ربنا حديثه عنه بتنزيه نفسه فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ}، والدليل على ذلك أن المشركين استنكروا على النبي خبر الإسراء، فهبّوا إلى أبي بكر لعله يناصرهم الرأي، فوجدوا إيمانه يفوق نطاق العقل في تصديقه الخبر، فطلبوا من النبي أن يصف لهم بيت المقدس، فوصفه بدقة متناهية، وهنا مدح الله نبيه بقوله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ}، وكلمة {صاحبكم} فيها إشارة إلى أن المخاطبين يعرفون النبي جيدا، ويعرفون صفاته الطيبة من صدق وأمانة وعدل وحق، فهم لا يكذبونه إنما ينكرون دعوته، فقال الله له: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
ــ ولما تحدث القرآن عن الإسراء قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا} للإشارة إلى أن الله هو الذي أسرى بالنبي وشرّفه بالعبودية الخالصة له، وكلمة {ليلا} تؤكد أن الرحلة تمت في جزء قليل من الليل لدرجة أنه رجع إلى بيته ولا يزال فراشه دافئا، حيث أوقف الله الزمن للنبي، وفي ذلك إشارة إلى طلاقة القدرة الإلهية، كما تؤكد الكلمة أفضلية الليل على النهار في التعبّد، فصلاة الليل أفضل من صلاة النهار؛ لذلك قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}، فضلا عن أن الدعاء محقق بالليل، وأن الليل ملتقى الأحباب.
ــ ثم حدد الخطاب محطتي الإقلاع والوصول {منَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} في إشارة إلى أفضلية المسجدين على سائر المساجد، فالمسجد الحرام خير المساجد، وهو أول بيت وُضِع للناس، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، والمسجد الأقصى هو المسجد المبارك، وهو ثاني المساجد في الأرض بناه سيدنا إبراهيم بفلسطين بعد المسجد الحرام بأربعين عاما، وهو مسرى النبي وأولى القبلتين وثالث المساجد التي تُشدّ إليها الرحال.
ــ وبيّن ربنا فلسفة الرحلة في قوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}، و{مِــن} للتبعيض تفيد كثرة الآيات وأن النبي رأى بعضها، منها إحياء الأنبياء له، ومنها ما رواه النسائي أن النبي مـــرّ بأماكن صلى عندها، يقول: “سرت فقال لي جبريل: انْزِلْ فَصَلِّ، فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ سرتُ فقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ، فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ؛ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، ثُمَّ سرتُ فقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ، فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِى أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ؛ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى”، ومع ضعف الحديث فإنه يشير إلى قدسية هذه الأماكن وأهميتها في الإسلام.
ــ أما المعراج فجمهور المحققين على أنه وقع للنبي بالروح والجسد، وقد أشارت إليه ثماني عشرة آية من مطلع سورة النجم، وانطلقت الرحلة من بيت المقدس إلى السماوات السبع ثم العودة إلى بيت المقدس ثم إلى مكة، وفي معراجه رأى النبي {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ}، فالتقى بعض الأنبياء، فسلموا عليه ورحبوا به ودعوا له، ورأى أصنافا من أهل النار، ورأى أصنافا من أهل الجنة كماشطة ابنة فرعون التي تعزّز قصتها قيمة “الثبات على الحق”، ورأى البيت المعمور ونهر الكوثر وسدرة المنتهى، ورأى النبيُّ جبريلَ على صورته الحقيقية للمرة الثانية، وهي المقصودة في قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، أما المرة الأولى فكانت في بداية الوحي، وهي الواردة في قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}.
ــ ولما وصل النبي إلى جنة المأوى نال التشريف والتكريم الإلهي؛ حيث فرض الله عليه الصلاة خفيفة في الأداء ثقيلة في الأجر، وفي صبيحة الإسراء نزل جبريل فعلّم النبي كيفية الصلوات وأوقاتها، وكان أول فرض صلاه النبي هو الظهر، ومن بعدها تغمّد الأمةَ تكريمٌ إلهيٌّ بمضاعفة حسناتها عشرة أمثالها إلى سبعمائة تكريما لرسول الله نتيجة “ثباته على الحــق”.

زر الذهاب إلى الأعلى