مقالات

فضل ليلة القدر، ووقتها، ورؤيتها، وعلاماتها، والفوز بها

فضل ليلة القدر، ووقتها، ورؤيتها، وعلاماتها، والفوز بها

متابعة ناصف ناصف

وبهذه المناسبة العظيمة كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور محمد سلام، أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات في جامعة الازهر وعميد المركز الثقافي الإسلامي بالعجمي بالإسكندرية                                     

 ليحدثنا باستفاضة عن

 العشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر

– وفضل العشر الأواخر واغتنامها ..

• فقال في هذه الأيام المباركات من شهر الله المبارك شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان يبدو الصائمون أشبه ما يكونون بالملائكة الكرام؛ لما يكونون عليه من إخلاص في عبادتهم لخالقهم من صيام وصلاة، وذكر وقيام..

• للعشر الأواخر من هذا الشهر المبارك فضائل

                      ينبغي أن يغتنمها أولو الألباب ..

———————————————————–

 ينبغي على المؤمن الكيس ألا يفرط في دقائقها قبل ساعاتها متأسيًّا في ذلك بخير من صلى وقام النبي المصطفى والحبيب المجتبى…

– فقد أثر عنه أنه ﷺ ” كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد في غيرها ” – مسلم. 

– وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ:

” كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره ” 

و(شد مئزره) كناية عن الاستعداد للعبادة، والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد …

وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع وما يتصل بذلك من شهوات … 

و(أحيا الليل) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها ويقوم أغلب الليل أو يكون المعنى أنه يقوم الليل كله لكن يتخلل ذلك العشاء والسحور وغيرهما فيكون المراد أنه يحيي معظم الليل. 

و(أيقظ أهله) أي : أيقظ أزواجه وأولاده للقيام، ومن المعلوم أنه ﷺ كان يوقظ أهله في سائر السنة، ولكن ذلك كان لقيام بعض الليل …

• من أفضل فضائل العشر الأواخر أن فيها (ليلة القدر)

—————————————————————–

• وليلة القدر: اسم عظيم لأعظم ليالي الدهر …

  والله جلَّ جلاله هو الذي سماها بهذا الاسم الأعظم؛

• وقد نص فيها على شرف هذه الليلة، وجلالها وعظَّم قدرها بأنها خير من ألف شهر، وهي قوله تعالى:

(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ • تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ • سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)

                                                    – سورة القدر .

• وجلال قدر ليلة القدر وشرف مكانتها عند الله لكثرة مغفرة الذنوب، وستر العيوب فيها؛ فهي ليلة المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

” من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه “. 

    – رواه البخاري، ومسلم. 

• وليلة القدر لها ثواب وفضل عظيم لا يقدره قدره إلا رب العالمين تبارك وتعالى لمن يقوم ليلها في أقل من 10 ساعات ذلك الثواب الذي يفضل ثواب ألف ليلة أو يفضل 83 سنة. 

وفي هذا ترغيب للمسلم وحث له على قيام هذه الليلة المباركة بالجِدّ والاجتهاد في الطاعة بالإقبال على الله، والخشوع في الذكر، والصلاة فرضًا وتطوعًا قيامًا وركوعًا وسجودًا، وقراءة القرآن بإخبات، وتبتُّل وبكاء، وبذل وإنفاق وعطاء، وقول معروف، وعمل الطيبات … 

• وقد يسأل سائل: هل يمكن رؤية ليلة القدر عيانًا؟ وكذا هل يمكن رؤيتها منامًا؟ 

– الثابت عن رسول الله ﷺ أنه لم يخبر عن رؤيتها بالعين البشرية المجردة في السماء كأن يرى الناس طاقة نور أو ما شابه ذلك، كما لم يثبت ذلك عن صحابته رضي الله عنهم أجمعين. 

– والثابت كذلك عنه ﷺ هو رؤية أمارات وعلامات تدل على حدوث ليلة القدر لتكون بشرى ودليلًا في تحريها ومن ثم إدراك بركاتها وخير ما فيها .. 

• ومن أهم علاماتها: 

١- علامة تكون في أثنائها: وتلك على نحو ما رواه أحمد من حديث الصحابي الجليل عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ أنه قال: 

“إن أمارة ليلة القدر أنها صافية … ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر ….”. 

٢- وعلامة تكون بعد انقضائها: وتلك تكون على نحو ما رواه مسلم عن الصحابي الجليل أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنه قال: أخبرنا رسول الله ﷺ أن ليلة القدر “تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها”. 

وسبب ذلك -كما قال شراح الحديث الشريف- هو الكثرة العظيمة لأعداد الملائكة الصاعدة والنازلة بالرحمات ليلتها لدرجة تجعل أجنحتها العظيمة تغطي شعاع الشمس حتى تصير كأنها بدر بارد…!!

عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله ﷺ قال في ليلة القدر: ” إنَّ الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى “. 

   – أخرجه أحمد. 

• وقد أخرج الشيخان عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟

قَالَ : (قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) 

• ورسول الله ﷺ يعلمنا من هذا الحديث الشريف أن ليلة القدر قابلة للعلم بها.

وذلك حيث يمكن لأهل الصلة بالله سبحانه وتعالى والصدق والإخلاص في العبادة أن يُلهَموا بإدراكها، ويستشعروا بنور بصائرهم ما يوفقهم الله إليه من بركات وألطاف وأنوار وأسرار في المنام بإلهامات ربانية .. 

• وهنا سؤال جديد وجليل:

– هل يُنال ثواب ليلة القدر وخيرها حتى وإن لم تُرَ لا عيانًا ولا منامًا لمن قامها ….؟ 

– والإجابة بيقين في الله جلَّ جلاله واطمئنان بذكر الله وبفضله وبرحمته: نعم ينال الإنسان المسلم ثواب ليلة القدر وأجرها وفضلها وخيرها إذا هو قامها إيمانًا واحتسابًا استنادًا إلى قول الرسول الكريم ﷺ:

“من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” 

فالتعبير ب (من) يفيد العموم والشمول في الفوز بثواب ليلة القدر لكل من قامها …. 

لكن الفوز بذلك الثواب لقيامها لا يتحقق إلا إذا كان قيامها إيمانًا بحقها وقدرها وفضلها، كما يكون قيامها بعبادة الله عبادة أهل التقوى والإخلاص والاحتساب ..• والسؤال الأعظم:

– في أي ليلة تكون ليلة القدر حتى يمكن الفوز بخيرها؟ 

– لقد ورد في شأن وقتها أحاديث شريفة، منها: 

– عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: 

” تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ “. – رواه البخاري، ومسلم.  

– وعن عُبادة بن الصَّامت أنه سأل رسولَ الله ﷺ عن ليلة القَدر، فقال ﷺ:

“التمِسوها في العَشر الأواخر؛ فإنها وِتر إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو في آخر ليلة “. – أخرجه أحمد. 

• وللعلماء حول تعيين وقت ليلة القَدر في هذه الأحاديث الشريفة اجتهادات وآراء جليلة، منها: 

– قد تكون في إحدي الليالي الوترية، كما قد تكون في إحدى الليالي الزوجية … 

– وهي في ليالي الأوتار آكد منها في ليالي الأشفاع أي الزوجية…

– وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون منها في غيرها … 

• والأحوط هو الاجتهاد في قيام كل ليلة من الليالي العشر الأواخر إيمانًا واحتسابًا أن كل ليلة منها هي ليلة القدر …

وذلك لأنه مهما ترجح من رأي فإنه لم يتم الجزم بذلك الرأي أو بغيره … 

وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، والأوزاعي وأحمد، والقرطبي رحمهم الله جميعا. 

• والمؤمن الكيس المحتسب يجتهد في قيام العشر الأواخر دون تعيين إدراكًا للحكمة من إخفائها لكي يجتهد الناس في العبادة، وذلك كما أخفى الله چلَّ جلاله الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، وكما أخفى اسمه الأعظم بين أسمائه الحسنى. 

• وما أجلَّ وأجمل أن نقتدي في ذلك بخير من صلى وصام، وقام واعتكف، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إمام الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ﷺ !!

                       والله أعلى وأعلم

زر الذهاب إلى الأعلى