ثقافةتحقيقاتدنيا ودينصحيفة المواطنمقالات

الإسراء والمعراج 

حب الله للنبي ﷺ يتجلى في رحلَتَيِ الإسراء والمعراج 

كتبه وأعده: د/ علاء فتحي الغـريـزي – مدرس الشريعة بجامعة الأزهر

مع مطلع السنة العاشرة للبعثة والذي كان يعد عاما حزينا وصعبا على النبي ﷺ؛ حيث بلغ الكرب والهم به ﷺ مبلغه؛ فقد شاءت إرادة الله – عز وجل – أن يتوفى عمه أبو طالب، وبعده بأيام أو شهور قليلة توفت زوجته خديجة، واللذان كانا سندًا وعونا له في الحياة؛ فقد كانا يدافعان عنه ويواسيانه ويعزيانه على مصابه في قومه وتكذيبهم له، وعداوتهم له، يصور ذلك قوله ﷺ “ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى توفي عمي أبو طالب”

في ظل هذه الأحداث وتلك الظروف، كان المشركون في مكة يبثون سمومهم ودعايتهم في كل مكان ضد محمد ﷺ ، وما يدعو إليه، ويؤلبون العرب على حرب رسول الله وأتباعه، فكانوا يرمونه بالكهانة مرة، وبالسحر أخرى، وبالجنون ثالثة، وكانوا يطاردونه هو وأصحابه أينما حلوا وحيثما ذهبوا، ومن ثم اشتد الأذى على رسول ﷺ وصحابته، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، والرسول ﷺ مع ذلك صابر لأمر الله وإرادته، لا تأخذه في الله لومة لائم، يدعو إلى الإسلام ويبلغ عن الله رسالاته، يقوم ﷺ في جنح الظلام، ويرفع يديه إلى الحي الذي لا ينام، ويقول: “اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون( ). بأبي أنت وأمي يا رسول الله .

وفي خضم تلك الأحداث، وهذه الظروف التي لاقاها ﷺ، لم يكن أمامه إلا أن يخرج من مكة ويذهب إلى الطائف؛ علهم أن ينصروه، فذهب إلى الطائف، ولما وصل اليها بدأ يدعوهم الى الله (عز وجل)، ولكنهم خذلوه أيضا، بل أمروا غلمانهم وصبيانهم وسفهاء هم فقاموا برميه بالحجارة، حتى أدموا قدميه الشريفتين ﷺ، ثم عاد إلى مكة حزينا.

وبالرغم مما لاقاه ﷺ من أذى من قومه جاءه جبريل – عليه السلام – ومعه ملك الجبال قائلا له:

( … إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ (أي الجبلين) فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا).

بعد كل هذه الأحداث التي لا يستطيع أن يتحملها أحد، أو أن يصبر عليها، كان من كرم الله على نبيه ﷺ أن يثبت قلب نبيه، وأن يكافئه على صبره، وأن يؤيده بمعجزة كبرى، إنها معجزة الإسراء والمعراج .

فقد جاءت هذه المعجزة من الله محبة لنبيه، وتعويضا له؛ لصدّ النّاس عنه، وتعزيةٌ ومواساةٌ له بعد وفاة زوجته خديجة -رضي الله عنها- وعمّه أبي طالب، فأكرمه برؤية آياتٍ من ربّه الكبرى، وأمور أخرى.

فكانت سبباً في تخفيف أحزانه وهمومه، وتجديد عزمه على مواصلة دعوته، والتصدّي لأذى قومه .

وكأن الله سبحانه وتعالي يخاطب نبيه ﷺ أن يا محمد: إذا كنت مطاردا من أهل الأرض، فأنت مرحبا بك في السماء، وإذا كنت حزينا لما أصابك، فانظر إلى ما أعده الله لك، وإذا كان أهل الأرض قاموا بإيذائك، فأنت مكرم عند ملائكة السماء، قم يا محمد لترحل من عالم الأرض إلى عالم السماء .

 

زر الذهاب إلى الأعلى