مقالات

“فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا”

بقلم / ا.د مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعة /ناصف ناصف

لقد دعا الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين إلى المسارعة إلى الخيرات فقال: ” وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” آل عمران: 133

كما حثهم على المسابقة والمنافسة في ذلك فقال: ” فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” البقرة: 148.

وقيل : (والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل، من صلاة، وصيام، وزكاة وحج، عمرة، وجهاد، ونفع متعد . ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير، وينشطها، ما رتب الله عليها من الثواب . وقد وردت آيات كثيرة في القرآن تحض على المسابقة في الفضائل والمسارعة في الخيرات، منها: قوله تعالى: “فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ”.

إنه سباق وأي سباق؟؟!! سباق نحو رضا الله تعالى لنيل جنته التي هي طلبة المتقين وهدفهم الأسمى… “أولئك المقربون في جنات النعيم” .

وقد أثنى الله سبحانه على طائفة من عباده بأنهم يسارعون في الخيرات، وأثنى على عبده زكريا وآل بيته: ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ” الأنبياء: 90.. أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها.

وكان صلى الله عليه وسلم يحث أمته على المبادرة إلى فعل الخيرات، والمسارعة بالأعمال الصالحة قبل الانشغال عن الأعمال الصالحة بالشواغل والفتن التي تكثر في آخر الزمان.

ولقد تعلم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم هذا الخلق الطيب , عَنْ أَسْلَمَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ :أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ ، فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً ، فَقُلْتُ : الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا ، قَالَ : فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قُلْتُ : مِثْلَهُ ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قَالَ : أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ ، قُلْتُ : وَاللهِ ، لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.

فالمؤمن الحق هو من يبادر إلى الخير؛ فالمبادرة إلى الخير دليل على يقين المؤمن بربه واعتقاده بأن هناك حساباً يوم القيامة , قال تعالى : ” فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ” المائدة: 48.

كما أنه دليل على يقينه بأن الرزق بيد الله وحده , وأن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده 🙁 مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ) .

وأن المؤمن الصادق هو من يحب الخير لنفسه وللآخرين , بل ويسعى إلى تفريج الكربات عن الناس , حتى ينال من ربه حسن الجزاء وفيض العطاء في الدنيا والآخرة .

لذا فقد كان من دعاء نبينا الكريم : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ) .

فإنَّه ينبغي للمؤمن أن يُسارِع في الخيرات؛ فالعمر قصير، والأجَل قريب، وابن آدمَ لا يَدرِي متى يأتيه الموت، وأعني بالمسارعة إلى الخيرات: المبادرة إلى الطاعات، والسبق إليها، والاستعجال في أدائها، وعدم تأخيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى