مقالات

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ”

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ”

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على

عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

الإسلام دين تصحيح واستكمال فيما يتصل بكل جوانب الحياة والعبادة، مما لا يوجد في الأديان والأمم السابقة، والدليل على أن الإسلام لا يخالف الأديان السابقة لمجرد المخالفة، هو أنه قد أقر الجيد والحسن من أخلاق الجاهلية مع أنها جاهلية، فلم ينكر كرم الضيافة، ولا نجدة الملهوف، ولا حلف نصرة المظلوم، بل أكد هذه الأخلاق المحمودة.

 ولقد جاء الإسلام نورًا وهدىً للناس، يهديهم سبيل الخير في الدنيا والآخرة، ويدفع عنهم شرور هذه الحياة وعذاب الآخرة، وقد تضمنت تشريعات الإسلام كل شيء من العقائد التي تتمثل في الإيمان والشرك والردة والكفر، ومن التشريعات الفقهية والمعاملات والفرائض التي تمثل هوية المسلم وشكلها.

وفرضت الصلاة في السنة العاشرة من البعثة بعد أن رسخت عقيدة التوحيد والولاء في قلوب المسلمين، بدأت قلوبهم تميلُ لأداء العبادة لخالقهم؛ لإعطاء الدليل الواضح على إسلامهم وامتثالهم لأمر الله عز وجل، وما إن رَسَخت الفريضة الأولى وعمود الدين في حياة المسلمين وبعد خمس سنواتٍ من بعد فريضة الصلاة فرض الصيام، فقد كانت فريضة الصيام من التشريعات لا العقائد، بينما كانت الصلاة عقيدة، حيث فرض الصيام في المدينة المنورة، حين قامت دولة الإسلام وتأصل في قلوب المسلمين، وأصبح الخطاب الرباني الموجّه إليهم يبدأ بـ (يا أيّها الذين ءامنوا)، وكانت سنة فرض الصيام هي الثانية من الهجرة. حتّى فريضة الصيام كانت بتدرج ولم تفرض فريضة تامة وكاملة من أولها، بل فرضت كفريضة اختيارية في بادئ الأمر على أن يكفّر من لم يستطع الصيام وفقًا للآية القرآنية “يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أخر، وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرًا لكم إن كنتم تعلمون” فكان الصيام بين التخيير في المرحلة الأولى مع الفدية، ثم في المرحلة الثانية الإلزام والوجوب فهو ركن من أركان الإسلام وفرض إلّا لمن كان مريضًا أو على سفر. نِعم الدين هو الإسلام , دين يسرٍ وحكمة . فجعل فرض الصلاة من خمسين فرضًا إلى خمسة، وجعل الحج لمن استطاع إليه سبيلا، وجعل الصيام لمن استطاعه صحيحًا سليمًا مقيمًا بالغًا .

قال تعالى : “(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “ُ البقرة :183 ,ويعدّ النظام المُتّبع في الإسلام للصوم النظام المثاليّ لتنشيط عمليتَيّ البناء والهدم، خلافاً لما كان يعتقده الناس بأن الصوم يُؤدّي للهزال والضّعف، بشرط أن يكون الصيام بشكلٍ معقولٍ كما هو في الإسلام؛ حيث فُرِض الصيام فرضاً شهراً واحداً وهو شهر رمضان، أما بعد ذلك فيُسَنّ صيام ثلاثة أيامٍ كلّ شهر عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (من صام من كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ فذلك صيامُ الدَّهرِ). فالصّيام فرضٌ عظيمٌ من الفروض التي شرعها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمّة، وهو أحد أركان الإسلام، وهو من العبادات التي تهدف إلى تزكية النّفس ورياضتها، وفي ذلك صلاح حال المجتمع والفرد.

زر الذهاب إلى الأعلى