مقالات

“يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعه/ ناصف ناصف

الحقيقة التاريخية تؤكِّد أن العلوم الحياتية نشأت أوَّل ما نشأت عند المسلمين في أحضان الدين وفي ظلِّ تعاليم القرآن، فعندما نزل الوحي بأول كلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي “اقْرَأْ”العلق: 1؛ كان ذلك إيذانًا ببزوغ فجر عصر العلم، فالقراءة هي مِفتاح العلوم و بـ “القلم” في في قوله تعالى :” ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ” القلم: 1؛ مما رسَّخ في أذهان المسلمين عظمة طلب العلم وتحقيق السبق والتفوُّق فيه.، وإيمانًا من النبي صلى الله عليه وسلم بقيمة العلم جعل فداء المشرك الأسير لنفسه في غزوة بدر تعليمه عشرة من الصحابة الكتابة والخطَّ، وهذا إعلان من النبي صلى الله عليه وسلم بأهمية العلم وعظمة تعلُّمه.

نعم للعلم في الإسلام مكانة خاصة فقد حث عز وجل في كتابه الكريم على العلم وحث عباده على التزود منه وكذلك السنة المطهرة , فالعلم من أفضل الأعمال الصالحة وهو من أجل العبادات وهو نوع من الجهاد في سبيل الله .فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من سلك طريقا فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ” وقال : عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ” من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ” ” ولقوله تعالى :” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” النحل -43 ,

ولقد بلغت مكانة العلوم الحياتية والتطبيقية في ظلِّ الإسلام مبلغًا عظيمًا، حتى أصبح المسلمون فيها سادة، وقد ملكوا ناصيتها كما ملكوا ناصية العالم، فغدت جامعاتهم مفتوحة للطلبة الأوروبيين الذين نزحوا من بلادهم لطلب تلك العلوم، وطفق ملوك أوروبا وأمراؤها يفدون على بلاد المسلمين ليُعَالَجوا فيها، وهو ما دعا العلامة الفرنسي غوستاف لوبون أن يتمنَّى لو أن العرب المسلمين استولوا على فرنسا؛ لتغدو باريس مثل قرطبة في إسبانيا المسلمة! فقال تعبيرًا عن عظمة الحضارة العلمية في الإسلام: إن أوروبا مدينة للعرب (المسلمين) بحضارتها.

وقد كان ذلك لمَّا فَقِه المسلمون حقيقة دينهم، وعلموا كيف أنه يُشجِّع على العلم النافع بكُلِّ أشكاله، ويُعلي من شأن العلماء ومكانتهم، فطفقوا يجُوبون في تحصيله، شعارهم أنهم أحقُّ الناس به أنَّى وجدوه، وفي ذلك فإنهم لم يُفرِّقوا بين علوم شرع أو علوم حياة؛ فإذا كان بعلوم الشرع يُقام الدين، فإن علوم الحياة هي أيضًا تلك العلوم النافعة التي يحتاج إليها الإنسان ليُصْلِح بها حياته، ويعمِّر بها أرضه، ويستكشف بها كونه وبيئته، فتتحقَّق بذلك أهليَّته كخليفة لله في الأرض.

وقد حثت جميع الأديان والثقافات على التعلم والعلم لأنه أساس الحياة وبه يرتفع شأن الإنسان والذي تتقدم به المجتمعات و الشعوب ويعم النجاح فيها الدنيا والآخرة، فالدنيا مَطِيَّة الآخرة، ووسيلة التقوِّي على طاعة الله تعالى وليست غاية تقصد. لقوله تعالى :” يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ “ الروم :7.وكلما زاد علم الإنسان كلما أصبحت أخلاقه أكثر رفعة وسمو ويصبح الإنسان أكثر قيمة وله كيان بين الناس .

زر الذهاب إلى الأعلى