ثقافةمقالات

الهوى المتقلب 

بقلم دكتوره : شمس راغب عثمان أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية .الجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا.الولايات المتحدة الأمريكية

متابعه / ناصف ناصف

• قال تعالى : ” أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ، وأضله الله على

على علم ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ” فمن

يهديه بعد الله ؟ أفلا تذكرون ” سورة الجاثية .

• اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ” أفرأيت من اتخذ. إلهه هواه)

فقال بعضهم : معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ دينه بهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه ، لأنه لا يؤمن بالله ، ولا يحرم ماحرم ، ولا

يحلل ما حلل ، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به . تفسير الطبري .

• وأصالة الحق في بناء الكون ، وارتباطه بشريعة الله للبشر ، وحكمه

عليهم يوم الحساب والجزاء ، معنى يتكرر في القرآن الكريم ، لأنه

أصل من أصول هذه العقيدة ، تجتمع عليها مسائلها المتفرقة ،

وترجع إليه في الأنفس والآفاق ، وفي ناموس. الكون وشريعة

البشر . وهو أساس ” فكرة الإسلام عن الكون والحياة والإنسان “

• وإلى جوار هذا الأصل الثابت يشير إلى الهوى المتقلب .

الهوى الذي يجعل منه بعضهم إلها يتعبده .فيضل ضلالا لا اهتداء بعده ، والعياذ بالله .

• والتعبير القرآني المبدع يرسم نموذجا عجيبا للنفس البشرية حين

تترك الأصل الثابت ، وتتبع الهوى المتقلب ؛ وحين تتعبد هواها

وتخضع له ، وتجعله مصدر تصوراتها وأحكامها ومشاعرها وتحركاتها.وتقيمه إلها قاهرا لها ، مستوليا عليها ، تتلقى إشاراته

المتقلبه بالطاعة والتسليم والقبول . يرسم هذه الصورة ويعجب

منها في استنكار شديد : ” أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ؟ ” ..

• أفرأيته ؟ إنه كائن عجيب يستحق الفرجة والتعجب ! وهو

يستحق من الله أن يضله ، فلا يتداركه برحمة الهدى .فما أبقى

في قلبه مكانا للهدى وهو يتعبد هواه المريض !

• ” وأضله الله على علم ” ..

على علم من الله باستحقاقه للضلالة . أو على علم منه بالحق ، لا

يقوم لهواه ولا يصده عن اتخاذه إلها يطاع. وهذا يقتضي إضلال

الله له والإملاء له في عماه :

” وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ” ..

• فانطمست فيه تلك المنافذ التي يدخل منها النور ؛ وتلك المدارك

التي يتسرب منها الهدى . وتعطلت فيه أدوات الإدراك بطاعة للهوى

طاعته العبادة والتسليم .

• ” فمن يهديه بعد الله ؟ ” ..

• والهدى هدى الله . وما من أحد يملك لأحد هدى أو ضلالة .

فذلك من شأن الله ، الذي لايشاركه فيه أحد ، حتى رسله المختارون •

• ” أفلا. تذكرون؟ ” ..

ومن تذكر صحا وتنبه ، وتخلص من. ربقة الهوى ، وعاد إلى النهج

الثابت الواضح ، الذي لايضل سالكوه .. .

– وبعد –

• أمة الهدى إن صور اتباع الهوى عديدة يضيق المجال عن حصرها ، وإن لاتباع الهوى أضراره الوخيمة على الفرد وعلى المجتمع لأنه. انحراف عن الطريق المستقيم ، وسلوك طريق الخسران للدنيا والآخرة ، ويعظم جرم الهوى إن كان عن علم

وتقصد لبتغاء دنيا فانية أو شهوة زائلة واسمع ماذا يقول الله

تعالى : ” أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه الله من بعد الله

أفلا تذكرون ” سورة : الجاثية مكية الآية ٢٣ .

• ” سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم “

وصلاة وسلاما على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

زر الذهاب إلى الأعلى