عاجل

العشر الأواخر:بقلم الاستاذالدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

العشر الأواخر:بقلم الاستاذالدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

متابعة/ ناصف ناصف

ــ شهر رمضان ليس أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، بل هو رحمة كله ومغفرة كله وعتق كله، والدليل أن لله في كل ليلة منه عتقاء من النار، والعشر الأواخر أكثر رحمة ومغفرة وعتقا؛ لأن خير الأعمال خواتيمها؛ لذا “كانَ النبيُّ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ”، والمئزر هو ما يُلبَسُ مِنَ الثِّيابِ أسْفلَ البدَنِ، و”شد مئزره” تعبير مجازي يشير إلى الجدّ في الأمر، والمراد هنا اعتزال النّساء في الفراش للتفرُّغ للعبادة، وجاء تعبير “أحيا لَيلَه” يؤكد هذا المعنى، وهو أيضا تعبير مجازي يدل على أن الليل يحيا ويموت، وإحياؤه بالذكر والتهجد، وتعبير “أَيْقَظَ أهْلَهُ” يشير إلى أن النبي جعل من مسؤوليته أمام الله نُصح أهله بقيام الليل وإيقاظهم ولو بنضح الماء في وجوههم وخاصة في العشر الأواخر؛ لأنها أيام خير وبركة؛ وخيرها تميُّزها بعدة مميزات.

ــ ميزة التهجد، واختُص الليل بالتهجد؛ لأن أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل؛ لذا قال الله للنبي: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}؛ لأن الليل اختُصّ بنزول الله في ثلثه الأخير إلى السماء الدنيا لإجابة الداعين والسائلين والمستغفرين حتى الفجر.

ــ ميزة الاعتكاف، وهو سنة عن النبي قُربَة إلى الله، وهو مشروع للرجل والمرأة والصغير والكبير في أي وقت من السنة، فقد ثبت اعتكاف النبي في شوال، لكن أفضل وقته العشر الأواخر من رمضان، فقد تكرر اعتكاف النبي فيها، ولا يشترط له الصيام، ويكون الاعتكاف في المسجد لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، وتخفّف العلماء للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها باتخاذ ركن من البيت مسجدا للصلاة، ويكفي لإقامة هذه العبادة اعتكاف ساعات مع توافر النية لعدم وجود دليل يحدد مدة معينة للاعتكاف، لكن الأرجح ألا يقل الاعتكاف عن يوم كامل، وينشغل المعتكف بالطاعة والعبادة، ويجوز له الخروج من معتكفه قليلا للضرورة.

ــ ميزة زكاة الفطر، وهي طُهرة للمزكي من الرفث في الصيام، هدفها إغناء الفقراء وإسعادهم، ومع أن إخراجها جائز من أول الشهر فإنه يستحب للمسلم أن يتنفل بالتصدق من أول الشهر، ويرجئ إخراج زكاة الفطر إلى هذه العشر لحصول بركتها، والأصل إخراجها عينا من طعام أهل البلد، لكن إخراجها نقدا أفضل لمستحقيها لتحقيق الغاية منها، والحد الأدنى لقيمتها ثلاثون جنيها عن كل مسلم حتى لو وُلِد ليلة العيد، ومن تطوع خيرا فهو خير له.

ــ في وترها ليلة مباركة من قامها إيمانا واحتسابا غُفِر له، أي تصديقا بالله وتنفيذا لأوامره واحتسابا للثواب، وصفها ربنا بثلاث صفات: ليلة ذات قــدْر، و{القدر} له ثلاثة معان: بمعنى الضيق، ومنه قوله تعالى: {فقُدِر عليه رزقه} أي ضاق، والمراد أن ليلة القدر تتنزل فيها الملائكة لكتابة أعمال المؤمنين، فتضيق الأرض بهم من كثرتهم {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}، و{القدْر} بمعنى (القـَدَر) والمراد أن في هذه الليلة يُطلِع الله الملائكة على ما كتبه للخلق لمدة سنة كاملة لقوله تعالى: {فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أي يُكتَب مفصّلا كالأجـل والرزق والسعادة والشقاء، و{القدْر} بمعنى الشرف، فهي ليلة ذات شرف، استمدت شرفها من إنزال القرآن فيها جملة واحدة من اللوح المحفوظ بالسماء السابعة إلى بيت العزة بالسماء الدنيا.

ــ وهي ليلة الخير، فهي {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، وعُبِّر عن الخير بالبركة في قوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، والمراد بالخير العمل الصالح للمؤمن، فهو في تلك الليلة أفضل من عمله طيلة عمره الذي عبّر عنه بـ{ألف شهر}، وليس العدد مقصودا إنما جاء للمبالغة.

ــ وهي ليلة السلام {سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، وأول ما يلفت نظرنا كلمة {حتى}، لماذا قال: {حتى} ولم يقل: {إلى} كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}؟ لأن {إلى} حرف يفيد انقطاع ما بعده عما قبله، فالليل ليس داخلا في الصيام، أما {حتى} فهو حرف يجعل ما بعده داخلا فيما قبله كقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}، فالأكل والشرب مباحان حتى التأكد من آذان الفجر، وفجر ليلة القدر داخل في السلام، ولا يمنع قبول العمل فيها إلا الشحناء؛ فإنها تحبطه، وأفضل الدعاء فيها “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا”.

زر الذهاب إلى الأعلى