مقالات

فـقـــه الزكاة

فـقـــه الزكاة

متابعة ناصف ناصف

ــ المستحقون للزكاة ثمانية حدَّد الله صفاتهم في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وقد تحدثنا عن {الفقراء والمساكين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ}.
ــ {والغارمين} فيها وقفتان: الأولى: معناها، فالغُرم هو الخسارة والإلزام بالدفع، يقال: غرّمه أي خسَّره وألزمه، وفي الحديث “أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمْ”، و”الغُنْم بالغُرْم” مَثَل معناه من يفرح بالمكسب يقبل الخسارة، ومن مظاهر الخسارة الدَّيْن، فالغُرم هو الدَّيْـن، والغارمون المَدينون، وفي هذا المَصْرف تتجلى عظمة الإسلام وسماحته ورحمته بالفرد والمجتمع؛ لأن المَدينين المقصودين هنا نوعان: المَدينون للمصلحة الخاصة، تداينوا ثم تعسّروا فتعثّروا فعجزوا عن السداد، هــؤلاء يُعطَون من الزكاة لسداد ديونهم بعد التأكد من تعذُّر سدادهم، والمَدين القادر على قضاء جــزء من الدَّيْن يُعطى من الزكاة بقــدْر سداد بقية دَيْنه، والمَدين الذي يمتلك المال لقضاء دَيْنه كاملا لكنه يصبح بعد السداد محتاجا يُعطَى الزكاة؛ لأنه يصير من المساكين، ويشترط في استحقاق هؤلاء الغارمين أن تكون ديونهم للضرورات، وألا يكونوا تداينوا تحايُلا للحصول على الزكاة، وألا يكونوا تداينوا لمعصية إلا إذا تابوا، والنوع الثاني: المَدينون لمصلحة المجتمع في إصلاح ذات البين بأن يكون بين طرفين مشاكل وخلافات شديدة، ويكون الإصلاح بينهما بدفع مال للمتضرر منهما، فيرفض الطرف الآخر دفع المبلغ المطلوب منه، فيتوسط رجــل من أهل الخير للإصلاح بينهما بدفع المبلغ المستحق للمتضرر من ماله الخاص أو استدانة من أحد، فيكون خاسرا في الحالتين، فيُعطَى نصيبا من الزكاة ولو كان غنيا؛ ليكون أنشط له وأقوى لعزمه لإنهاء المشاكل بين المتنازعين لاستقامة المجتمع واستقراره، والوقفة الثانية: إعراب {الغارمين}، ففيها إعرابان ينبني عليهما حكم فقهي: العطف على {الفقراء} فتُعطى الزكاة لهم لسداد ديونهم، والعطف على {الرقاب} أي (في الغارمين) فتُعطَى الزكاة للدائنين مباشرة بعد التثبُّت، وكلاهما صحيح، والأفضل أن تُعطَى الزكاة للمَدين إذا كان ثقة في السداد، وتُعطَى للدائن إذا كان المدين غير ثقة.
ــ و{في سبيل الله} السبيل: الطريق، وهو معنى مجازي، وعلى ذلك فهذا الصنف يحتمل معنيين: أحدهما عام يشمل كل أعمال البر والخير التي تـتـمُّ ابتغاء مرضاة الله، والآخر خاص بالغُــزاة والمرابطين لحماية الأمـة والوطن وقتال العدو بتوجيه الدولة، والمعنى الأول أوسع وأنفع لكنه ينافي معنى التقييد في كلمة {إنَّما} في آية الزكاة، ومن ثَـم نرجح المعنى الثاني (الغزاة والمرابطين)، فهؤلاء يُعطَوْن من الزكاة ما يُعينهم على أداء وظيفتهم من ثمن سلاحهم ووسائل نقلهم والنفقة لهم ولأُسَرهم، فإذا كانوا يتقاضون مرتبات من الدولة فلا يستحقون الزكاة، وأُلحِق بهم طلاب العلم، فهم مجاهدون في سبيل الله؛ لأن “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة”، لكن التبرع للمساجد والمستشفيات والطرق والمباني العامة النافعة للناس وهو عمل عظيم الثواب لا يكون من الزكاة إنما يكون من مطلق التصدُّق، أما مساعدة المرضى في المستشفيات المجانية فهي جائزة، وتدخل في مصرف الفقراء والمساكين.
ــ و{ابن السبيل} هو الشخص المنسوب للطريق، والمراد به الغريب المنقطع في سفره بسبب قلة المال معه لظروف طارئة، فيُعطَى من الزكاة ما يمكِّنه من الرجوع إلى بلده حتى لو كان غنيا شريطة ألا يكون سفره في معصية، أما الذي يريد أن يسافر من موطنه وهو غير قادر ماليا فلا يدخل في “ابن السبيل”.
ــ وليس شرطا أن توزع الزكاة على كل المصارف الثمانية، بل حسب احتياج كل منها وقت إخراج الزكاة، ويجوز إخراجها في مصرف واحد، ولعل أهـم المصارف مصرف الفقراء والمساكين؛ فبهم يستقر المجتمع وينهض، ثم أكد القرآن أن الزكاة فريضة من الله، أوجبها على المؤمنين بحكمته وعلمه لإصلاح المجتمع وترابطه؛ لأنه عليم بمصالح العباد حكيم بتدبير شؤونهم، فلا يجوز منعها فيأثم بذلك مَـن وجبت عليه الزكاة، وإنكارها إنكار للدين، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى