تحقيقاتثقافةدنيا ودينمقالات

قــــراءة في فـقـــه الزكاة 3 للاستاذ الدكتور علاء الحمزاوى الاستاذ بجامعة المنيا

متابعة /ناصف ناصف

ـ التصدق نوعان: نفل وفرض، النفل مطلق، وهو يدل على العطاء والسخاء والتقوى، ففي الحديث “اتقوا الله ولو بشق تمرة”، ولعله هو المقصود من قوله تعالى في وصف المتقين: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، فهو حق غير محدد؛ لذلك ارتبط بالمتقين الذين يخافون الله فيتقونه بكل ما يمتلكون، أما الفرض فهو محدد نوعًا وكـمًّا وصرفًا، وهو يدل على السمع والطاعة والاستجابة للتوجيهات الإلهية الحكيمة، ولعله هو المقصود من قوله تعالى في وصف المصلين: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، وآية الحق المطلق نزلت قبل آية الحق المعلوم، وهذا يعني أن المسلمين أُمِروا بمطلق التصدق قبل فرض الزكاة، وكلمة {حـق} في الآيتين تدل على أن السائلين والمحرومين شركاء للأغنياء في أموالهم بما يلبي احتياجاتهم الأساسية، والحق المعلوم هو الزكاة؛ لذلك ارتبط بالمصلين لأنهم استجابوا لأداء الفرائض، والزكاة نـوعـان: زكاة الفطر وزكاة المال، والمستحقون لها ثمانية أصناف من الناس حدد الله صفاتهم، ورتبهم حسب أهميتهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، واستهلال الآية بـ{إنما} واللام تقييد واستحقاق، فـ{إنما} تقييد وحصر لمصارف الزكاة؛ فلا يجوز تجاوزها إلا في الضرورة القصوى مع استعمال الحمل والقياس فيما لم يَرِدُ على ما ورد، واللام بعدها للاستحقاق والملكية، فأصحاب تلك المصارف مستحقون للزكاة، وهو حـق لهم في أموال الأغنياء.

ــ بدأ بـ{الفقراء والمساكين} لأهميتهم؛ يُعطَوْن من الزكاة ما يسدّ احتياجهم، لكن مَـــن هــم؟ هم المُتعفِّفون عن السُّؤال، مدحهم ربنا بقوله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، أي يظنهم الجاهل بحالهم أنهم أغنياء من تعفِّفهم، والتعفف هو الزهد في الشيء بإذلال النفس مع شدة الاحتياج إليه، و{سيماهم} علامتهم أي يظهر عليهم الاحتياج من ملبسهم ومطعهم ومسكنهم وضعفهم، ولا يسألون الناس إلحافا، أي لا يُلحُّون في سؤالهم للناس، فإذا سألوهم فإنما يسألون بلطف واستحياء، ولعل الجمع بين التعفف والإلحاف يدل على أن بعضهم يتعفف عن السؤال، وبعضهم يسأل بلطف ورقـة وخشوع.

ــ وثمة تفاوت بين الفقراء والمساكين، فالفقير أشد حاجة من المسكين؛ لأن الله بدأ بهم، ولا يبدأ إلا بالأكثر أهمية، وقد فُسِّر الفقير بأنه الذي لا يجد شيئا أو يجد قليلا من احتياجاته، والمسكين الذي يجد بعض احتياجاته ولا يجد تمام كفايته؛ لأنه لو وجد كفايته كلها ما كان مسكينا، وقيل: الفقير هو الذي يعتمد على الصدقات وعطايا الناس، والمسكين هو الذي يعتمد على عمله اليومي؛ لذلك وصف القرآن أصحاب السفينة بأنهم مساكين للإشارة إلى أنهم يعملون يوميا في نقل الناس والبضائع سعيا على الرزق، وفي الحديث “ليس المسكين الذي تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، لكن المسكين الذي لا يجد غنًى يغنيه، ولا يُفطَن إليه فيُتصَدّق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس”، فالمسكين أقل احتياجا من الفقير؛ لذا كان النبي يتعوَّذ من الفقر دُبُر كل صلاة، فيقول: “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر”، وفي المقابل مَدَحَ المساكين فقال: “قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجَــدّ محبوسون”، والجَدُّ هو الغنى، أما دعاء “اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين” فهو حديث ضعيف لم تثبت صحته، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى