تحقيقاتثقافةدنيا ودينمقالات

قــــراءة في فـقـــه الزكاة 1 ـللاستاذالدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

متابعة/ ناصف ناصف

ـ الزَّكاة مقدار من المال أَمر الله بإنفاقه على المستحقِّين له، وهي واجبة وجوب الصلاة، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، والآية الأولى ربطت بين الصلاة والزكاة وصلاة الجماعة، والآية الثانية ربطت أداء الشعائر بطاعة النبي، وأوقفت الرحمة على ذلك، والآية الثالثة قــدّمت العبادة التعاملية (القول الحسن) على العبادة الشعائرية (الصلاة والزكاة)، وهذا يعني أن الإسلام كل متكامل لا يقبل منه بعض ويُترَك بعض، وكشف النبي عن فرضية الزكاة في حديث “بُني الإِسلام على خَمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأَنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصَوم رَمضان، وحَجّ البيت لمن استطاع إليه سبيلاً”، وأكـد النبي وجوبها في حديثه لمعاذ لما بعثه إلى اليمن، حيث قال له: “إنَّكَ سَتَأْتي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلى أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ فَإِيَّاكَ وكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”.

ــ وهذا الحديث يرشدنا إلى أن دعوة المظلوم مستجابة بصرف النظر عن معتقده، وأن بعض التكليفات مبنية على بعض، وأن بعضها أوْلى من بعض، وأن هناك تدرُّجا في التكليفات، فالإنسان غير مطالب بالصلاة إلا بعد الإقرار بالشهادتين، وهو غير مطالب بالزكاة إلا بعد إقامة الصلاة، وهنا درس في “فقه الأولويات”، كذلك يرشدنا الحديث إلى أن الزكاة مفروضة على أغنياء المسلمين لفقرائهم، ولا تؤخذ من كرائم أموالهم (نفائسها)، بل تؤخذ مِن أواسطِ المالِ؛ حتى تطيب نفس المزكّي لذلك؛ لأن فلسفة الزكاة مواساة الفقراء، ولا تصلح المواساة إلا برضا الأغنياء إلا إذا آثروا الفقراء فأعطوهم مما يحبون إعمالا لقوله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وسَمَّى الحديث الزكاة صدقة، وهو ما أكده القــرآن في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}، فالمراد بالصدقات هنا الزَّكاة المفروضة لا صدقة التطوُّع؛ لأن التطوع مطلق في جهات الصَّرْف، إنما هذه الصدقة مقيدة بمستحقين حدد الله صفاتهم.

ــ وقد اتَّخذت فريضة الزكاة شكلها الكامل في المدينة المنوّرة؛ حيث فرضت في السنة الثانية للهجرة، فحُدِّد نِصابها ومِقدارها والأموال التي تَجب فيها والمصارف التي تُنفَق فيها، وتولَّت الدولة مَسئولية تَنظيمها تحصيلا وإنفاقا، لكن ذلك لم يمنع أن أصل الزكاة كان معروفا للمسلمين في مكة، فقوله تعالى: {كُلوا من ثَمرِهِ إذا أَثْمرَ وآتُوا حَقَّه يومَ حَصادِهِ} آيــة مكية اعتمد عليها الفقهاء في إثبات وجوب زكاة الزروع، كما أن تحريم الرِّبا قد ثَبت أصله في مكة، ثم فُصِّل تشريعه في المدينة، ففي مكة فــرق الله بين الزكاة والربا قائلا: {وما آتَيْتُمْ من رِباً ليَرْبوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ الله وما آتيتم مِن زَكاةٍ تُريدُون وَجْه الله فَأُولَئِكَ هُم المُضْعِفُون}، أي وما أعطيتم قـرْضًا أو هدية لأحد بقصد الزيادة والكثرة عند استردادها فلا يزيد عند الله، وما أعطيتم من زكاة للمستحقين تبتغون بذلك مرضاة الله وثوابه يقبله الله ويضاعفه لكم أضعافا كثيرة، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى