عاجل

سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ” 

لأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعة ناصف ناصف

 إن الناظر في روح رسالة الإسلام، الرسالة الإنسانية الخالدة، يرى أن نصوصها تزخر بالدعوة إلى التسامح والتواصل والتعارف والتعاون، فقد حث القرآن الكريم في آيات كثيرة على التسامح الديني باعتباره أساس التسامح الاجتماعي والحضاري، منها قوله تعالى: ” وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن “، الكهف -29 ,وقوله عز وجل “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِــرٍ” الغاشية -22 . والتَّسامح سِمة إسلاميَّة تحملُ قيمةً مخصوصة ومرغوبةً؛ إذ لا يتركَّن التَّسامح في مفهومه الإسلامي إلى مبادئ الحقوق والواجبات، ولا يكون في الشرائع والحدود والمحرَّمات، ولا يطالُ القوانين والقضاءَ، بل إنَّه يخصُّ العلاقات النَّاظمة لتوادِّ النَّاس ومعاملاتهم وحسنِ معاشرتهم؛ بتركِ ما لا يجبُ تفضُّلاً وتنزُّهاً وتتجلَّى قيمةُ التَّسامح في الإسلامِ من خلالِ تعميمِ النَّظرة الأخلاقيَّة والإنسانيَّةِ إلى ركائزَ مختلفةٍ وأخلاقٍ شتَّى تُحقّق مجتمعةً المساواة والعدل، وتُرسِّخُ مبادئ الاعترافِ بالآخرِ واحترامِ الاختلافات مهما تنوَّعت وتعدَّد أتباعها، وتجمعُ ذلك كلَّه إنسانيَّةُ البشرِ وتكافلهم، ليُرسِّخ الإسلام من خلال التَّسامحِ مبادئ الإخاء الإنسانيِّ، ويُنظِّم تعاملات النَّاسِ وتعايشهم بما يتناسبُ مع تنوِّعِ دياناتهم وأعراقهم وانتماءاتهم وألوانهم،

والمجتمع المسلم إنما جعل ليعيش مع المجتمعات الأخرى، وأن سعادته في إسعاد الآخرين، ففي إسعاد الإنسانية إسعاد للمسلمين ودليل على كمال الإيمان والتقوى؛ لذلك وضع القرآن الكريم السلام في قلب الإسلام عقيدة وحياة وآخرة، قال تعالى: “سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ” يس -58 مما يجعل السلم قاعدة البناء الحضاري وأساس استقرار المجتمعات وأمنها، ومن هنا جاءت أهمية التعايش السلمي بين الشعوب. وأهمية تشجيع الأشخاص على التسامح المجتمعي والتقارب والحب واالتسامح .

وذلك أن من مكارم الأخلاق التي عنيت بها السنة وأمر بها القرآن العظيم مجاهدة نوازع الغضب والحلم؛ وكظم الغيظ؛ والعفو عند المقدرة حتى في مواجهة المتطاولين والجهلاء وفي ذلك منهج رباني أمرنا كمسلمين بالأخذ به كما يعلم الإنسان كيفية الارتقاء بتكوينه النفسي البشري، ليصل إلى مرحلة التسامي، وهي إحدى الدفاعات النفسية المهمة، وهو هدي نبوي يحقق لنا النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة.

والإسلام بصفته دين الإنسانيَّةِ والتَّسامح يسعى إلى تحقيق التواؤم والتَّوادِّ والتَّعاطف والإحسانِ بين النَّاس جميعاً دون حصرٍ لهذه القيم لأفراده أو أتباعه فقط، وبذلكَ فقد تميَّزَ الإسلامُ بقيمة التَّسامح حتَّى جعلها سِمته البارزة، ونظَّم هذه القيمة بما يتوافقُ مع معناها الإنسانيِّ الشموليِّ، فقضى بضمانِ الحقوقِ أوّلاً، ثمَّ عمَّم العدلَ، ودعا إلى التَّراحم والتَّنازل عن الحقوقِ، والعفو عند القدرة، والعَدلِ بما يملك كلُّ فردٍ من قدرته وسلطته. ان ثقافة التسامح فضيلة إنسانية إسلامية حث عليها الدين الإسلامي وغرسها في نفوس وضمائر البشر من أجل التخلي عن المشاكل الاجتماعية والنفسية والثقافية والدينية كالكراهية والحقد والضرب والعنف والقلق التي تترك اثاراً مهمة في حياة الافراد داخل المجتمع.

كما أنه زيادة التواصل الاجتماعي داخل المجتمع، تتجلى فيه معانٍ عظيمة من االتـراحم والتسامح و يعزّز من قيم التسامح والتراحم بين الناس.

أ.د/ مفيدة إبراهيم على عبد الخالق – عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى