الأدب والشعرثقافةمقالات

الترجمة الغيرية في قصص الدكتور عبد الوهاب برانية”الكادحون” أنموذجًا

بقلم/ حفصة شعراوي الباحثة في الأدب والنقد – جامعة الأزهر

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ؛ أبدأ مستعينة بالله تعالي مقالتي التي بعنوان ” الترجمة الغيرية في قصص الدكتور عبد الوهاب برانية “الكادحون” أنموذجا”، وهي مشاهد نابضة بالحياة كما نعتها كاتبنا. فنجده في بداية مجموعته القصصية يدير حوارا مع قارئه، فكأنه يُسْأل من جانب القارئ بينما يقوم هو بالإجابة عن تلك التساؤلات التي راحت تستحوذ على القارئ أثناء قراءته فتكاد تشغله عن المحتوى الأساسي، أو الهدف الذي تكشف عنه تلك المجموعة. هذا غير أن القارئ بالنسبة للكاتب عزيز وغال؛ يريد القاص أن يريح ذهنه ويفرغه مما يؤرقه. وهو ملمح من ملامح شخصية الكاتب البارزة، التي تجلت من بين ثنايا أحرفه وهو الإنسانية والعاطفة التي قادت كاتبنا في مسيرته الإبداعية؛ وهو ما يمكن أن أطلق عليه (الواقعية الإنسانية)، فهو ليس بالرومانسي الحالم الذاتي وليس بالواقعي الكئيب؛ لأنه بالرغم من بؤس شخصيات القصص فإن الكاتب أخذ بأيدينا إلى جوانب مشرقة أيضا فجعلنا نقرأ ونلاحق القراءة من قصة لأخرى من دون سأم أو ملل. المجموعة مكونة من اثنتي عشرة قصة، أو بمعنى أصح اثنتي عشرة شخصية من أوراق الكاتب “الريفية” فهو الجامع بين “أوراق الماضي” (وهي السيرة الذاتية للكاتب) و”الكادحون” (الغيرية له). وبالقراءة يتبين أن “الكادحون” تختلف من حيث الظروف والأحداث والأشخاص بالتأكيد، ولكن اتفقت جميعها على الكفاح والكدح في الحياة في مواجهة ظروف اجتماعية قاسية وأناس عديمي الشفقة والمروءة والأخلاق. فأديبنا تمرس بالسيرة بنوعيها الذاتية والغيرية. واتفقت مع “أوراق الماضي” له برصد الواقع العام الذي رآه في حياتهم. وهو بذلك يشبه “طه حسين” في تمرسه بنوعي التراجم في “الأيام” ترجمة لحياته ومسيرته العلمية، و”أديب” التي يروي فيه قصة صديقه الذي شغف بالأدب إلى حد الجنون. وقد صنفها بعض النقاد ضمن الترجمة الذاتية، وهذا اللبس قد حدث نتيجة وصفه لذلك الأديب الذي تضمن وصفه لنفسه. ولكن الأدباء يشتركون عادة بتلك الصفات والحالة الأدبية التي عرضها طه حسين. “الكادحون” مجموعة قصصية، والقص هو سبيلنا الأساسي في تعقل الأمور.. فإننا نتعقل الأحداث من خلال قصص ممكنة” كما يقول “جوناثان كوللر” فما بالك بقصصٍ حدثت بالفعل! فلقد قام الدكتور عبد الوهاب باختيار أشخاصٍ حقيقية مرت به في حياته. شخوصٍ استقرت في عاطفته إلى أن مثلها لنا أو صورها في أوراقه. وتبين من شخوصها الرابط الدفين الذي دفع أديبنا إلى الكتابة؛ ألا وهو الإنسانية. فقد عمل كاتبنا على انتقاء هذه النماذج البشرية من وسط أناس كُثر في حياته. والغلاف يتكون من العنوان وهما “قصص الكادحون” ثم اسمه، وهذا يعطي للقارئ معلومتين هامين: الأولى- أنها قصص يتخللها الخيال أحيانا، الثانية- أن الكاتب ينفي التطايق بينه وبين شخوص القصص. ولكن تجد في المقدمة إعلان صلته بهؤلاء عن طريق المنشأ أو الريف، غير أنه واقع عايشه وتأثر به لذلك أتت تسمية المقال بـ “الترجمة الغيرية”..وقد جاء الآن توضيح سبب تسمية المقالة بـ”الترجمة الغيرية”؛ فلماذا هي ترجمة وليست سيرة؟ لأن شخصيات ” الكادحون ” هي شخصيات واقعية حقيقية كانت في حياته في وقت من الزمن، وواضح التأثر بهم مما دعاه إلى كتابة ترجمة لحياتهم. كتابة حاول أن يوفق فيها بين عاطفته تجاه هؤلاء الشخوص وبين حنينهِ إلى تلك المثل والأخلاقيات التي غابت واندثرت. فجاءت كتابته ساعية للتوازن بين العقل المرشد والعاطفة الجياشة. هذا غير أن كلمته (مشاهد) عنى بها أنها مجرد لقطة من لقطات حياتهم وليست سردا لقصتهم؛ لأنهم يعتبرون مشهدا واحدا متكررا من مشاهد الحياة الكادحة البائسة. فكانت ترجمة وليست سيرة لكونها مواقف مؤثرة محورية في حياة الشخوص من مشاهد عدة متكررة، فتجاوز الكاتب ذلك الاستطراد وأتى بما لم يعرفه الكثيرون. وبهذا أضاء سيرتهم بذكرهم ورفع – بعد الله تعالى- قدرهم في الدنيا؛ لما حملته القصص من قيم فكرية وأخلاقية اندثرت تحت الثرى، أيضا تعزية لشخوصهم وذويهم ولمن يشبهونهم.وبداية من العناوين وطريقة السرد الودي التي شكلت جسرا عاطفيا بينه وبين المتلقين، تجعلهم يقبلون على قصصه بل يبكون من سطورها وكلماتها. تلك الطريقة التي جعلت القارئ يسلم عقله وقلبه ويسير في طواعية مع كلمات ساحرة أخذته لعالم قاس يخالف ذلك الواقع الذي يقرؤه في كثير من الروايات والقصص.فالكاتب هو مرآة مجتمعه ولسان حاله؛ هو الذي يظهر وقعا تعاقب الزمن فيه بأحداثه على الفرد والجماعة. ولذلك جاءت تلك الكتابات كـ “منطلق ذاتي لتغيير الوعي الجماعي على أسس موضوعية وبواسطة طرائق جمالية” كما يقول “الدكتور جابر عصفور”.وقبل الولوج في “الكادحون” أقوم بداية بتوضيح المصطلح الأدبي لـ “الترجمة الغيرية” وهي: الكتابة عن حياة الغير بشكل موجز. والترجمة بتسليط الضوء على القدر اليسير أو الموقف الذي يستدعى الكتابة عنه والاعتناء به في حياة فرد أو مجموعة أفراد بهدف إعطاء نموذج بشري حيّ يقتدي به الناس. فالمترجم يعلم أخبارًا عن المترجم له ويقوم بإرسالها إلى المتلقي؛ وهو فن قديم مستحدث، فقد عرف العرب فن السيرة من قديم مثلما عرفوا الشعر وغيره من الأجناس الأدبية؛ فكانوا يدونون سيرهم وسير غيرهم.وقد وضح الكاتب في تقديمه للمجموعة أن هذه الشخصيات حقيقية لأناس جمعت بينه وبينهم مواقف حقيقية، ماعدا شخصية واحدة وهي “عفيفة”، فقد وضح في بداية قصتها أنها حكاية سمعها من أفواه أناسٍ يعرفونها، فهي مزيج من الواقع والخيال. والخيال في السيَّر والترجمات مقيَّد، ممسوك الزمام بالوثائق والبيانات والوقائع التي حدثت فعلا كما يقال.وفي البداية.. “الكادحون” عبارة عن نماذج بشرية إنسانية غامضة قام بعرضها الأديب وكشف عن ذلك الغموض عن طريق رسم صورة دقيقة لشخصيته، والتحري التاريخي القائم على المشاهدة تارة والذاكرة تارة أخرى. فجاءت الكتابة عملية تحليلية لشخوص القصص بل المجتمع. وقد جرت العادة في السير والتراجم الغيرية أن تكون لمشاهير أو أصحاب إنجازات لإبراز عناصر العظمة أو الانحطاط. وطريقته ذكرتني كثيرا بكتابة المنفلوطي في الاسترسال الإنشائي وأيضًا بالدكتور محمد حسين هيكل في وصفه للريف المصري في رواية “زينب” (بغض النظر عن النقد الذي وجه للدكتور هيكل في وصفه الريف الأوروبي وليس المصري) ولكن نجد كاتبنا في وصفه للريف المصري البراعة والإبداع، فقد رسمه بروح فنان وقلب شاعر، خاصة عندما كان يصف لنا مشهد حصاد القطن في ريفنا المصري في قصة “أيوب” وهو بطل قصته الأولى في المجموعة، فقد قام برسم ملامحه رسما تفصيليا دقيقا، وتجلت كتابته فيها، وعبرت عن تأثره الشديد بالريف ورؤيته له. فرسم صورة الريف المصري بريشة فنان، صورة دقيقة ليومٍ متكرر من أيام الفلاح المصري في وقت حصاد القطن كماصورته قصة “أيوب”. فانظر معي إلى هذا الوصف البديع من قصة “أيوب” (كان إذا عمل في جني القطن يبدو ماهرًا في التقاط لوزاته البيضاء من أشجارها القصيرة ، ولا تكاد يداه تفرغان ما فيهما من تلك اللوزات البيضاء الناصعة في “حِزَّيتِه” إلا إذا أتى على كل ما في شجرة القطن التي تحمل الكثير من اللوزات، ويده في ذلك كله سريعة الحركة خفيفة التنقل حرة الانسياب بين الأغصان التي تحمل اللوزات المتفتحة، ومثيلاتها الخضراء العَجْرِيَّة المنغلقة على ذهبها الأبيض وكنزها المكنون بين زهرتها المكمَّمة).وقبل أن يأخذنا الحديث في هذا الجانب العاطفي، الإنساني، وريشة الفنان التي أتقنت رسم لوحة حيَّة في نطاق النفس البشرية نأتي إلى سؤال هام وهو: مم تتكون الترجمة الغيرية؟تتكون من:شخصية رئيسية؛ وهي محور القصة.الحدث؛ وهو الهدف والغاية من الترجمة والمثل المحتذى به الحسن أو السيء.العبرة؛ وهي الخاتمة ورأي الكاتب عن الأحداث واعتقاده الفكري والنفسي تجاهها.والشخصية في الترجمة هي: عبارة عن حشد كل المعلومات حولها وصولا إلى خلق إحساس عال بها، يساعد القارئ في تلمس خفاياها والكشف عن باطنيتها والبعد عن روح الكاتب؛ لذلك يجب أن تكون الكتابة فيها بموضوعية بحيث يحدث هذا الفصل بين الروحين وتلك المعلومات التي ذكرت، ومن خلال السرد ظهرت معالم الشخصيات تارة بالوصف الدقيق الذي قدمه لنا الكاتب وتارة من الحالة النفسية التي نستشفها من ثنايا الكلمات. والحقيقة أن الشخصيات اجتمعت كلها على كدح، ولكنها اختلفت في أمور شتى من حيث الحالات النفسية والاجتماعية.. ونجد بداية كل قصة أو شخصية بمعنى أصح بعض الأسطر التشويقية التي تجعلك تسرع في الدخول إلى عالمها، وهي تقنية كتابية يعمد إليها تمهيدا و …فــ “أيوب” يمثل لدى الكاتب “الكادحون” من طبقة الشخصية؛ فهو المثل الأعم من تلك الطبقة؛ طبقة الفلاحين الذين يقدمون حياتهم في خدمة الملاك وأصحاب الأراضي ببخس الأجور.وقد عبر عن شخصيته بوصف حالته؛ فهو شخصية ساخطة على الحال وتفاوت الطبقات ويظهر ذلك في قوله “وقد لا يجدون بانتظارهم ما يعوضهم كدح النهار وبخس الملاك، وتقتير المطعمين، فيلتهمون ما يقدم إليهم، ولكن كانت قلوبهم تصب غضبها على هؤلاء، وتنقم عليهم وتجفوهم جفو الخصم والعدو لعدوه، وإن لم يعلنوا عن شيء من ذلك كله، لكن لسان حالهم يشي به”..فقد وصف مشهدا كاملا لنفوسهم يعبر عن سخط النفس؛ لكن ذلك لم يكن عدم رضا منهم وإنما أجبرهم الملاك على الوصول إلى تلك الحالة من اليأس والغضب، الذي وضحه الكاتب في أكثر من مشهد مثل قوله: “فقد كان بعض الفلاحين يتفننون في التضييق على هؤلاء الكادحين، فلا يقدمون لهم وجبة شهية تطيب لها أنفسهم، فكان بعضهم لا يقدم إلا العدس والفول وشوربة الأرز، ولا يعرف للحم سبيلا..”وأيضا مشهد الابن عندما رأى صبيا يتناول فاكهة زاهية ناضرة، أما هو فلا يعرف لها سبيلا. مشهد فيه من الحرمان والبؤس ما يجعلك تشعر بسخط عيشهم، وتترجم به أحوال كثيرين ممن حولك من شخصيات حية يعايشون تلك اللحظات، فهذا غير قاصر على هؤلاء الأجراء، وإنما هو مشهد متكرر من مشاهد الكادحين وأبنائهم. ولذلك حظيت تلك الشخصية بأكثر السطور والكلمات؛ لأنها أكثر النماذج شيوعا وكأنما قصد بذلك لفت الأنظار إليهم لتقديم يد العون لهم.فيصبح شعورهم بهذا السخط والغضب قليلا على حالهم، فالإنسان عندما يعايش تلك الظروف تسوقه نفسه إلى السرقة والقتل في أحيان كثيرة؛ لكن هؤلاء ظل الإيمان يعمر قلوبهم، حتى وإن يئسوا وسخطوا فمضوا في طريقهم يؤنسهم الصبر والإيمان ولم يجد الشيطان إليهم سبيلا..و”صابرة” شخصية شريفة، صبورة، شديدة التحمل، أرملة لزوج إسكافي ولديها منه ابنة. وقد أدى بها فقرها إلى اتهامها في أمانتها التي كانت عنوانها، فمن الذي يسرق في بيت مسؤل البنك الكبير إلا الخادمة؟تلك الظاهرة العامة التي تشيع عند بعض سيدات البيوت ممن تمتلكن من الرفاهية ما يسمح لها باستجلاب خادمة تساعدها في الأعمال المنزلية؛ وكانت (صابرة) واحدة من أولئك الخادمات اللائي تنقلن بين البيوت لتقديم الخدمة المنزلية لربات تلك البيوت المرفهات، وحين فقد مصاغ الأسرة، كان أول الظن وآخره من نصيب (صابرة). وقد بعث بها ذلك الاتهام إلى الدار الآخرة؛ لعدم تحملها التهمة الملتصقة بها، ولا توريث السمعة السيئة ظلما لوحيدتها..ولم يكن ذلك عن يأس من إظهار براءتها؛ وإنما عن القسوة والظلم لنفس بريئة لم تستطع تقديم دليل براءتها. ومن اللافت للنظر أنها كانت صاحبة شخصية سوية من البداية إلى النهاية؛ بالرغم من ظروفها وكدها لم تسلك طريق السوء حتى عند اتهامها بالسرقة ظلت على عهدها الصادق الطيب فلم تتبدل أو تتحول عن طبيعتها من التضحية والعطاء.وقد تشبه شخصية مرزوق شخصية (صابرة) من بعض نواحيها، فهو أرمل أيضا ولديه ابنة وحيدة، وهو رائق النفس والبال، راض بالمقسوم له، حقق الله له مراده بأداء العمرة؛ ولكن الشبه الحقيقي كان في مصير ابنتهما بأن كان عوضهما فيهما من رزق الأولى بالذهب والثانية بالمليون ريال.وعفيفة و أم السعد امرأتان جمعت بينهما عائلة فقيرة بحثت كل عائلة عن زوج لابنتها لأغراض متنوعة؛ فالأولى للتستر والثانية لغرض رهف العيش ولكن لم تكن الأقدار في صفهم.. فارتبطت كلتاهما بأشباه الرجال، فلازمهما الشقاء والكدح الذي لا انقطاع له. ولكن الزوجتان كانتا ذواتي شخصية سوية صبورة، فاستطاعتا أن تستكملا طريق الكدح، فكانتا أفضل ممن ارتبطتا بهما من أشباه الرجال، الذين لا يقدرون قيمة الأسرة ودورها في بناء الحياة. صحبتهما بذلك نفسية خضرة متفائلة فلم تعجزا ولم تقنطا بل حفرتا في صخور الحياة عن لقمة العيش لأولادهما، فقد رزقهما الله بأولاد بنين وبنات ولكن ثانيتهما رزقها الله بتوأمين من ذوي الإعاقة الذهنية مما زاد من ألمها وشقائها. وإذا كانت كلتاهما قد استطاعتا أن توفرا القوت لأسرتيهما فإنهما عجزتا عن توفير الأمان والحماية لأنفسهما من غدر الغادرين وجرم المجرمين؛ فكانت المأساة أن اغتصب شرف (عفيفة) مجموعة من الذئاب البشرية استهدفوها بغرض السرقة ثم الاعتداء الجسدي على الشرف والنفس، وكان مصير ابنة أم السعد زهوق النفس بعد الاعتداء الجسدي على الشرف وما أبشع ما ارتكب من جرم!وكذلك “طاهر” و”عبد الرافع” الحمال” كان الشبه بينهم متمثلا في الشخصية والزمن؛ فكلاهما رزق بطيبة القلب والعطف على ذويهم، وفناء النفس لسعادة الأخوة والأبناء.. أما الزمن فكلاهما عاصر زمن الكورونا.والاختلاف جاء في الشخصيات والحدث؛ فقد استغل نفوسهم المعطاءه ذووهم. “طاهر” قضى عمره في بناء إخوته إلى أن تزوج وصدم في زوجته ومات إثر إصابته بكورونا، وعبد الرافع كانت مصيبته في ابنه الذي ترجاه من الله ولما جاءه تغير وجحد عليه بعد الوظيفة المرموقة والزواج ثم الإنجاب، فانتقل بعيدا عن والديه وأصبح لا يزورهما ولا يراهما. هذا ليس لبعد المسافة والانشغال مثلا بل كان عقابا منه لأنه طلب من والده ترك عمله الذي لم يعد مناسبا لوظيفته المرموقة، إلى أن أصيب في زمن الكورونا وعاقبه أبناؤه وزوجته فتركاه وحيدا مريضا حتى جاءه والده ليأخذ بيده ويحنو عليه لكن كان الأوان قد فات.ومستورة امرأة لم ترد من الدنيا شيئا غير الستر، وليس لها سوى شقيقتها بعد وفاة والديها، وقد تقاسم أبناء عمومتها البيت ولم يتبق منه إلا حجرة صغيرة تعيش فيها، ومعاش تتقاسمه مع شقيقتها التي تزوجت من رجل فقير أيضا. هي شخصية كادحة ولكنها سعيدة وراضية وهذا ما يميزها عن غيرها من شخصيات القصص. شابهت بهذا الرضا عبد الصبور أناس على هوامش الحياة، جمعتهم الوحدة والشقاء ولكن الرضا جعلهم في راحة بال وفضل من الله تعالى.فشخصيتهما متشابهة في رضائهما وتدينهما، فمستورة تصوم الاثنين والخميس كما سمعت من الشيخ في الراديو وعبد الصبور سأل الشيخ عن حكم الأرض المهملة وهو مطمئن أن لا وارث سيحصل عليها مع اختلاف حياتهم؛ فلم تتزوج مستورة وقضت حياتها في غرفتها بين أذان الراديو، وعبد الصبور قضى حياته مع امرأته وأرضه الصغيرة المهملة التي اقطتعتها الدولة له إلى أن توفاه الله تعالى.وعبد المتين شخصية اعتمد فيها على بنيته وقوته التي وهبه الله إياها، ولقد وقفنا على حاله من خلال الوصف الدقيق الذي عرضه الكاتب، من خلال كلمات رقيقة حملت لنا نفسه بل نفوس معامليه، فكان يقلب رزقه ويقلل من نفسه معهم حتى يكون خفيفا عليهم وينادونه دائما لحمل أمتعتهم، ولعله كان غريبا بالنسبة لهم فلم يعلموا عنه شيئا سوى رؤيته على الناصية ينتظر قدوم السيارات المحملة للمساعدة، مثله في ذلك كغريب أفندي بفارق إعطائنا الكاتب معلومات شخصية عنه؛ فهو شخص قادم من المدينة يعمل بالتدريس، أتى غريبا ومات غريبا. شخصية انطوائية، روتيني، محب للهدوء والوحدة ولم يقرب منه أحد أبدا، يمكن أن يكون ذلك عن طبع أو خوف من التعامل الاجتماعي في بلد غريبة؛ ولكن كان من الحق أن يذوب ذلك الجليد الذي بناه بينه وبين العالم من حوله وإنما لم يحدث أبدا.عمل واشترى بيتا وتزوج وأصبح لديه أبناء ولكن ظلت الغربة عنوانا له، والظاهر أنها امتدت لابنه وابنته، فبعد أن كبرا وتزوجا انشغل كل منهما بحياته، وتركاوالدهما لبعض تلاميذه يشفقون عليه من حين لآخر، حتى أضحى وحيدا، ولم يبق في حياته من يحادثه سوى النهر.وأخيرا عبد الرؤف وأخوه عبد الجبار اللذان ورثا المال والأرض وأصبح لدى كل واحد منهما قصر، ولكن اختلفت شخصية كل منهما عن الآخر، فكانا على النقيض من بعضهما ولكل واحد منهما من اسمه نصيب كبير؛ إلا أن الغريب هو معاملة عبد الجبار لأخيه فقد كان رحيما به “يلاطفه وكأنه شخص آخر” كما يذكر لنا الكاتب. ونسأل هنا سؤالا: هل كان هذا اللطف لسبب أم أن وراء هذا اللطف كانت تكمن مآرب شخصية؟ولكن يتبين مع الأحداث أن هذه المعاملة تتبدل مع علمه بحمل زوجة شقيقه؛ فلم تكن تلك المعاملة سوى تظاهر بالحب؛ بحثا عن المنفعة الكامنة وراءه، ولكن بعد تحقق حلم شقيقه بوريث يحمل اسمه ويرث أملاكه تحول عبد الجبار إلى شخص مختلف، ولم تكن النهاية إلا جزاء له على طمعه وأنانيته تجاه شقيقه.ولقد جاء ختام قصة”عبد الرافع الحمال” طيب الأثر، إذ كان تأسف ابنه له وهو على فراش الموت كأنه اعتذار قسوته على أبيه،وعقوقه له، وإن جاء ذلك متأخرا لكنه قد جاء على كل حال.والأحداث هي المشكلة التي واجهها الكادحون وساقتنا إلى العبرة، وقد تنوعت بتنوع الأشخاص والظروف التي سيأتي الحديث عنها في السطور المقبلة.عناصر الترجمة الغيرية :تاريخ الولادة ومكانها وتاريخ الوفاة لمن فارق الحياة.لم يوضح الكاتب معلومات الشخصيات الحقيقية، واكتفى بذكر أعمارهم وبعض المعلومات التي ممكن أن تتشابه مع الكثير من الناس. وقد وضح في بداية كتابته لقصصه أنه لم يكتب أي تواريخ إطلاقًا. وأرجع هذا إلى روح الفنان الإنسان التي تأبى تجريح ذكراهم أو أن يتعرف القارئ إليهم شخوصهم. فقد حافظ على حق خصوصيتهم حتى لا يتضرر أي من ذويهم. والأهم من ذلك الانشغال بالعبرة العامة دون الالتفات إلى خصوص السبب.فقد استخدم أدواته في إخفاء معالمهم من اسم وتاريخ ميلاد أو وفاة، وهذا لعدم إحراج ذويهم من جانب، ومن جانب آخر لم يرد أن يترك قارئه الهدف والغاية من سرد تلك الحكايات للبحث عن ماهية الشخوص وتتبع أخبارهم عن طريق أهلهم أو الطرق الإخبارية أو حتى عن طريق برامج التواصل الاجتماعي من فيس بوك وغيره.ولكن ليس معنى ذلك أن عنصر الزمن قد غاب عنه وإنما توسع فيه، فمثلا وفاة طاهر وابن عبد الرافع في زمن الكورونا، وعبد المتين الذي كان في ستينيات القرن الماضي، وعبد الرؤف وعبد الجبار اللذان كانا في العقود الأولى من القرن العشرين، وعبد المتين الذي كانت قصته قبل خمسين عاما من كتابته للقصة..فكلها توايخ مبهمة متوسعة؛ لأنها من أصل السرد ولا مفر من ذكرها لسببين :الأول : أن القصص التي ذكر فيها الزمن كان الزمن مهما في الأحداث؛ فالكورونا أصبح زمنها محددا؛ لأنه وباء العصر حصد الكثر من أرواح البشر في العالم أجمع، هذا غير أنه ذكر في كل القصص النهاية فكانت كورونا النهاية لشخصين فوجب ذكرها.أما عبد المتين فمهنتة لم تمتهن الآن بالشكل السابق؛ لكثرة وسائل الحمل فلم نعد بحاجة لمثل هذه المهنة بشكل خاص. وعبد الرؤوف كان نوعا من التحديد له لغرض أحسته في نفسه وهو أخذ العبرة من قصته؛ فأغلب الظن أن هاتين الشخصيتين بما ذكره القاص من معالم حياتهما قد ينبي عن شخصيتهما في البيئة التي نمت فيها تلك المعالم فكان ذكر الزمن فيهما محتوما لا غنى عنه لبلوغ الغاية تارة؛ ليوقف الكاتب القاريء عن الأسئلة فتأخذه الأحداث تارة أخرى.وفي قصة أيوب الذي غاب فيها الزمن لسبب هام وهو أنه لم يكن الحديث فيه عن شخص بعينه وإنما كان عن فئة كاملة من كادحي الأراضي، فهو رمز لطبقة المأجورين معبرا عن بخس الفلاحين بهم. ولذلك أخذت من الكاتب العناية الكبرى من بين باقي الشخصيات حيث جاءت في واحد وعشرين صفحة بينما الباقي لم يتعدى نصفها؛ ولم يكن هذا تقليلا من شأن الشخصيات الأخرى في المجموعة أو قلة عناية بهم؛ بل لأن أيوب كان الأغلب والأعم في حياته فقد ظل موجودا على مر العصور، أما الباقي فهم مجرد شخصيات وأحداث مرت وانتهت حتى وإن تشابهت قصصهم مع غيرهم.معلومات الشخوص المكتوب عنها :هذه المعلومات من سن وحالة اجتماعية وعدد الأبناء وغيرها قام القاص بتوضيحها، فمثلا يقول عن “أيوب”: (لم يكن أيوب هذا إلا واحدًا من رجال كثيرين، يعيشون في ريفنا البسيط، ويدرجون على أرضه، ويتنسمون أنسامه، كان راعيًا لزوجة وثلاث بنات وولد واحد، وهو الأصغر بين أخواته، ولم يكن “أيوب” يعمل إلا أجيرًا في حقول الفلاحين من ذوي الحيازات الكبيرة أو الصغيرة…. كان في بدايات العقد السادس من عمره..)و”صابرة” يقول عنها: “إنها أرملة فقيرة، كان زوجها إسكافيًّا، من أولئك الذين يدورون بمخلاتهم في الشوارع والحواري والأزقة، ليصلح أخذية الناس الممزقة البالية، وبقى على ذلك حياته كلها حتى مرض مرضًا أقعده عن السعي على الرزق، ولزم حجرته التي تؤويه وزوجته وطفلته الصغيرة..”وعن”عفيفة” يقول: ” كانت عفيفة هذه واحدة من آلاف النساء في ريفنا، اللائي نشأن في أسر فقيرة، ولم يحصلن على أي قدر من التعليم، وإن امتلكن بعض المقومات التي تدفع بهن في أتَّون الحياة، من جمال فطري وسذاجة بادية، وبساطة تعادل تلك السذاجة وتتفوق عليها أحيانًا، وما أن بلغت سن النضج، ولا أقصد به النضج العقلي، وإنما قصدت النضج الجسدي … ما أن بلغت تلك المرحلة حتى تقدم لها الخاطبون… وزفت عفيفة إلى زوجها، وطالت معها عشرته، وأنجبت منه الذرية بنوعيها…)وفي “مرزوق” استخدم أسلوبا مشوقا في البداية فقال: ” وقد استبد به التفكير في ماضيه الزاهر، أيام كانت مهنته ملء السمع والبصر، يوم كان زبائنه بالعشرات، وأشغاله تلاحقه بالليل والنهار، ولا يكاد يفرغ لنفسه ولا لزوجته التي رافقته عقودًا متلاحقة، قبل أن تخاصم الحياة إلى الأبد، بعد أن أنجبت له طفلته الوحيدة ومضت) فيصيبك شعور بالفضول، وتظن أنه يمتهن مهنة تحتاج لهذا الجهد والاعتناء والوقت،وفي هذا الوصف الدقيق لحال العم مرزوق ما يجعل القارئ يبحث بعناية شديدة عن مهنة هذا الرجل وكيف كان من الكادحين، فقد امتهن مهنة تجعله غنيا وليس بائسا، خاصمته الحياة وعبست في وجهه بعد أن كانت ضاحكة مستبشرة فيقول: ( كان العم “مرزوق” حائكًا من طراز جيد…) وتأتي الصدمة للقاريء بعد معرفته به، ولكنك تقف على شيء من روح الكاتب، وهو أنه لا يحتقر ذوي المهن البسيطة مثل الكثيرين بل يقدرها ويضعها فوق قدرها، وهو نبل منه ولطف جعلا منه إنسانا في عصر الجحود والنكران.ونأتي إلى “طاهر” فيعرفنا به: (كان “طاهر” حلاقًا ورث المهنة عن أبيه، وكان أكبر أشقائه، أقعده أبوه من التعليم في مراحله الأولى ليقف إلى جواره يساعده في مهنته، ويكون سندًا له عند الكبر، وذخرًا لوالدته وأشقائه الصغار عند عجز والده عن العمل أو وفاته.)وفي”مستورة” نجد الكاتب يصور شخصية لا تزال على قيد الحياة، ورأينا تلك التجاعيد في وجهها وذلك الكيس في يدها وقد رسمهما القاص بريشة فنان كلوحة حية تتنفس فهي كما يقول: “سيدة ستينية.. قطار الزواج قد فارقها، وفقدت والدتها ثم والدها، ولم يتبق لها سوى شقيقتها الصغرى التي تعيش مع زوجها وصغارها المعوزين، لم يكن لها أشقاء؛ لذلك توارث أبناء عموتها في منزل والدها المحدود، فلم يبق لها ولشقيقتها سوى حجرة واحده يطل بابها الرئيسي على الشارع..”وأما “عبد الصبور” فقد آثر الكاتب أن يورد المعلومات عنه على لسانه هو: “لي زوجة مقطوعة من شجرة، أي لم يبق من أهلها أحد، وليس لنا ذرية، ولي معاش حكومي أستعين به على رهق الحياة، وهذة الأرض المحدودة من أملاك الدولة المهملة”.و”عبد المتين” لم نقف من أخباره على شيء سوى مهنته ومعاناته، وهذا إما لأن الكاتب لم تسمح له الظروف بالتعرف عليه، وإما لأنه كان يتحاشاه لشيء ما في نفسه.. فكل ما وصلنا عنه هو أنه ” كان رجلا عفي البنيان عريض الكتفين، كأنما خُلِق كتفاه على تلك الصورة التي تهيئه لحمل حاجيات الناس وأثقالهم على هذين الكتفين العريضين.. كان عبد المتين يراقب السيارات القادمة من إحدى الجهتين على قِلَّتها، فإذا ما بدت واحدةٌ منها هب واقفا متهيئا للقادم علَّها تجيء بمن يكون ثقيل الأحمال، فيرفعها عنه عبد المتين وينقلها له إلى مسكنه في أعماق القرية” فكأنما القصة كلها كانت وصفا لهيئته وملبسه ومهنته ..وقصة “أم السعد” هي القصة الوحيدة التي لم يكن لبطلتها من اسمها أدنى نصيب؛ إذ كانت حزينة، تعيسة، حالها لا تحسد عليه. وهي سيدة أربعينية، خاصمتها السعادة منذ فارقت بيت أسرتها فتاةً فائرةَ الأنوثة قوية البنية، وألحقت ببيت الزوجية، رأت أسرتها بعض المغريات في هذا الزوج، كان أول هذه المغريات أن ابنتهم ستكون قريبة منهم، كما أن هذا الزوج هو البقية الباقية من أسرته وأن ابنتهم ستكون سيدة بيتها وصاحبة القرار فيه، فزوجها كما يقال مقطوع من شجرة، كما أن وراءه بعض الطين، ولكن اكتشفت أنها زفَّت إلى زوج هو والعدم سواء، فقررت أن تسترد القراريط المحدودة من مستأجريها وتقوم على زراعتها، وتولت شؤون بيتها إلى أن أحست بجنينها يتحرك في أحشائها ثم جاءها طفلان وكانا من ذوي الإعاقة وقد فجعت بمجيئهما كما ذكر لنا الكاتب.و”غريب أفندي” اتخذ الجزيرة سكنا له وهي جزيرة على النهر، بعد أن أتى إليها برفقة أحد زملائه من المعلمين وعمل معلما في إحدى مدارس المدينة، واستضافه هذا الزميل في بيته إلى أن وجد الغريب مسكنا واستجلب زوجته وابنته وابنه البكري. وعاش في الجزيرة حياة روتينية، كأنْ لم يكن بها سوى أسرته وذلك الزميل وبعض طلبة العلم الذين كانوا يلجؤون إليه لمساعدتهم.و”عبد الرؤوف” هو أخ لآخر يدعى عبد الجبار، توارثا قصرين ومائتي فدان من أجود الأراضي الزراعية في أحد الأقاليم، وقد رزق الله عبد الجبار ببنين وبنات أما عبد الرءوف فلم يحظ بذلك الرزق، وقد عرض زوجته على الكثير من الأطباء ولكن لا فائدة، إلى أن جاء ذلك طبيب مشتهر من أوروبا وحدث المرجو وحملت الزوجة، ولكن بعد أن تنازل عبد الرؤوف لأخيه عن كل شيء إلا خمسة أفدنه حولها إلى حيازة زوجته وانتقل بالسكنى إلى المدينة، ولكن بعد أن جاءته البشرى أراد أن يسترد شيئا مما وهبه لأخيه، لكنه رفض ذلك وتركه لبؤسه وحزنه.و”عبد الرافع” حمال الشونة الذي أتى إلى القرية وقد سمع أن فيها بنكا زراعيا وأنهم سيكونون بالتأكيد بحاجة إلى حمالين لحمل المحاصيل الزراعية التي يوردها المزارعون إلى البنك، فوجد عبد الرافع فرصة للعمل، أتاحت له وسيلة العيش والتزوج من إحدى بنات القرية، التي رزق منها بولد وحيد، وقد كبر ذلك الولد والتحق بوظيفة مرموقة فينقم على مهنة أبيه ويطالبه بتركها لكن الوالد لم يستجب فكانت القطيعة من الابن لأبويه، ثم ترحل والدته عن الدنيا ويمرض وحيدها في زمن الكورونا فيهمله أولاده وتهمله زوجته ويحنو عليه أبوه ويعرف الابن خطأه ويتأسف لأبيه ولكن بعد فوات الأوان.كل هذه المعلومات وقفنا عليها من تقديم الكاتب لها، وهي معلومات يسيرة من الممكن أن تتفق مع كثير من الأشخاص في حياتنا وإن كانت ليست بتلك الدقة ولا ذلك الوصف المرسوم للشخوص والتي تجعلك تنظر إلى القصة وكأنها فيلم سينمائي يقوم عقلك بتصورها ومشاهدة أحداثها واحدة تلو الأخرى.الإنجاز أو الحدث الهام في تاريخ حياة تلك الشخوص:أظهر سرد الأحداث أنه قد تسلط على هؤلاء الأشخاص نوعان من السلطات الكتابية؛ كانت الأولى منهما هي السلطة الرمزية التي تمثلت في الأسماء المستعارة لأبطال قصصه الحقيقية، والثانية هي سلطة الحقيقة من خلال الأحداث والضغط النفسي الذي تعرضوا له في أزمنة مختلفة متعاقبة؛ والتحديَّات اليومية التي قام كل شخص بمواجهتها.تلك القصص لم تكن إلا لشخوص عادية، متواجدة في حياة كل منا، فهو لم يذكر الاسم الحقيقي أو أي تاريخ يدل على هويتهم؛ لأن الهدف ليس نيل الشهرة من كتابة تلك القصص، وإنما العبرة وحلم الكاتب ورغبتة في واقع أفضل بأخلاقيات أجلَّ لمواجهة جهامة الواقع الذي فقد معانيه الإنسانية، فأحب أن يخلّد تاريخًا أخلاقيًّا مشرفًا، لشخوصٍ أفنت حياتها في رحلة معاناه وكفاح وشقاء من أجل لقمة العيش. وهي حقا لقمة العيش ليس رغبة في أكثر منها للحياة.. تعينهم فقط على مواصلة أيامهم المعدودة فيها. فسجل القاص أحداثا واقعية اجتماعية؛ يذكرني فيها بالكاتب محمد تيمور في اتجاهه نحو الأحداث العادية والمشكلات اليومية وفي اهتمامه بالناس البسطاء، وإثارة المشاعر والعواطف تجاه هؤلاء المساكين ضحايا المجتمع.فقد وضع أيدينا على المفارقات بين طبقات المجتمع الاجتماعية والأخلاقية، ورسم لنا صورة لبعض جوانب البيئة من قطاعاتها ومفارقاتها. وأيضًا النزعة السلوكية التي تجلت عن طريق العملية المعرفية (وهي معرفة هؤلاء المعتدين بحال هؤلاء الكادحين) والفعل القصدي (وهي تصرف هؤلاء المعتدين تجاه هؤلاء الكادحين). وهذا يبين المفارقة الجذرية بين نفوس هؤلاء الكادحين والمعتدين عليهم.بدأ الكاتب قصصه بعنوان رمزي يصف الشخصية و يُومِئ بأخلاقها. فمثلا “أيوب”؛ اسم يلفت نظرنا إلى نبي الله “أيوب” الذي كان محور قصته الأساسية الصبر والعجز. وهما كانتا حال العم أيوب في قصتنا. فعجز النبي أيوب؛ كان مرضه أما عجز عم أيوب فكان في قلة حيلته، والصبر كان على يومه المتكرر منذ طفولته (في حصاد أراضي الغير) والمفارقة بين الفلاحين وأصحاب الأراضي. مجموعة فلاحين يتم استئجارهم واختيار الماهرين منهم أمثال العم أيوب لحصاد موسم القطن بسرعة وكفاءة عالية، هذا مقابل أجر زهيد يتقاضاه الفلاح ليقوم بصرفه على أبنائه الذين حرموا من لذات الحياة من مأكل وملبس ومشرب، فكان قصاراهم النظر إلى ملذات الغير في بؤس وحسرة والارتماء في أحضان ال|أمهات والبكاء بين أيديهن. وقد قام بتجسيد هذا المشهد المأساوي ابن العم أيوب الذي أجاد رسمه لنا الكاتب وأفاق فيه التعبير.فالحدث هنا كان بؤس أيوب وعجزه عن توفير متطلبات الحياة لنفسه ولأسرته، الصابر على مفارقات الحياة بينه وبين أصحاب الأراضي المتنعمين في لذاتها ومتعها. ومن خلال تلك المفارقات انتزع من هؤلاء المالكين للأراضي العطف والشفقة على هؤلاء الفلاحين، وبهذا قام القاص بتصوير مشاعر العمال بصورة جعلت القارئ يتعاطف معهم كما لو كان هو المأجور يرتدي ملابسهم ويأكل أكلهم ويعمل عملهم.والمفارقة الثانية تجلت من خلال “صابرة” الصابرة على حالها، الراضية بما قسمه الله لها، التي عملت وكافحت ونالت ما نالته من أجل ابنتها. “صابرة” التي صبرت على قضاء الله ولكنها لم تصبر على إيذاء الناس لها. وكانت المفارقة هنا بين “صابرة” المرأة المكافحة الكادحة وبين المرأة التي قامت بإلقاء تهمة السرقة إليها بدون شفقة ولا تحر للواقعة، وكيف كانت صدمة “صابرة” التي لم تتحمل إيذاءهم والتهديد بتشريدها وتدمير حياتها، فوافتها المنية قبل أن تنال جزاءها الحسن، قبل أن تظهر براءتها، قبل أن تعلم اجتيازها في اختبار وابتلاء الله لها. ولكن إن لم تنل جزاءها في الدنيا فقد وافاها الله حقها وحفظ ابنتها ورزقها بصبر والدتها بما لم تتوقعه. و”عفيفة” وهي صفة صاحبة القصة الثالثة التي تعففت عن سؤال الناس وكما يقال حفرت في الأرض لتحصد رزقها. فهي امرأة ما بين يومٍ وليلة وجدت نفسها متزوجة من رجلٍ (وإن عجز اللسان عن إطلاق كلمة رجلٍ عليه) عاجز عن تحقيق حياة كريمة لها ولأولاده. فقامت عفيفة بالبحث عن عملٍ تساعد به بيتها، “فكانت علاجًا لبطالته” كما قال كاتبنا. وبالفعل استطاعت “عفيفة” أن تكد وتعمل وتتكسب لتوفر لبيتها حياة كريمة.وتأتي المفارقة بين عفيفة المرأة المكافحة المكابدة وبين مجموعة من الشباب الضائع، الذين أكلت المخدرات عقولهم فأصبحوا جسدا بلا روح وعقل، فارغين من أي عمل، عاطلين عن أي كسب، فجاءت مفارقة بين هؤلاء المتبطلين المتدنين وبين هذه والمرأة العقيقة العاملة المترفعة عن الدنايا. إن هؤلاء فضلوا إزهاق روحٍ من أجل كيس النقود، من أجل الكيف الغلّاب الذي لم يكتف مدمنوه بأن أخذوا كيس النقود بل اغتصبوا صاحبته، وبعد كل ذلك يسيطر عليهم شعورهم بالخوف من أن توشي بفعلتهم فيقررون قتلها. فأصبحت ضحية لوسوسة شياطين عجزة فارغي الروح والقلب. فالقصة كمثل صرخة يصرخها الكاتب لأسرةٍ بائسةٍ، وزوجٍ مهمِلٍ لايبالي، لم يصن امرأته، وهي صرخة في وجه أسرٍ تركت شبابها لفراغ القلب والعقل، لشياطين الإنس والجن. وشابهتها “أم السعد” ولكن مع مفارقة أخرى بين الاسم وحالها، فلم تلج للسعادة بابا، فهي امرأة غالبت الرجال، ولكنها لم تستطع حماية ابنتها من الذئاب الذين انتهكوا عرضها وتركوها جثة هامدة.و”مرزوق” الذي امتهن مهنة ملأت فراغ أيامة وهي “الحياكة” حتى أفنى فيها عمره ولكن خانته المصانع والمحلات الجاهزة فأصبح جليس كنبته العتيقة في شقته الصغيرة. “مرزوق” اسم على مسمى؛ فقد أرسل الله له رزقه في حياته وكفاه خوفه على وحيدته بعد مماته. وتحقق فيه القول: (مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد) فدبرها مدبر الأمر وجعل في مصيبتهم رزقًا طيبًا مباركًا. جزاء الصبر والكدح وقبولا لدعاء طال به العمر وإكفاء لخوف عاش به. وقد أتت هنا مفارقة حسنة بين الغني والفقير؛ بإعطاء نموذج لصديق وفي كان من زبائنه القدامى فيتطوع له بنفقات عمرة شريفة وصحبة نزيهة عن الغرض ساقه الله إليه ليريح قلب العم مرزوق إلى الأبد.و”طاهر” هو رمز للصفاء والنقاء، الذي أعطى مثلا في الوفاء لوصية الأب ورعاية الأم والأخوة. وقد تمثلت مفارقته في امرأته التي كانت عكسه في كل شيء؛ فقد خانت عهدها معه، ذلك الرباط المقدس الذي اجتمعوا عليه أمام الله تعالى، بل تسببت بخيانتها في موت الابن وقهر الزوج، وهي الطامة الكبرى لطاهر الذي لم يخن أبدا وحمل وصية أبيه على عاتقيه؛ وصية كلامية كان من الممكن أن يطرح بها أرضا ويهتم بنفسه، ولكن جعل تلك الكلمات إلزاما عليه فصار أبا مسؤولا، فشتان بين زوج كان هدفه الرعاية والتربية وزوجة كانت عبدة لأهوائها وشهواتها.و”مستورة” سترها الله تعالى بغرفة من بيت أبيها ومعاش تتقاسمه مع شقيقتها المتزوجة الراعية لأبناء فقراء، مفارقة بين حال الأختين الكبرى التي زوجت أختها وظلت هي عذراء، ليتجلى في سلوكها معنى الإيثار في أبهى صوره بالرغم من أنها كانت الأولى بتلك الزيجة ولكنها لم تكن أنانية تجاه أختها، وحتى المعاش الذي يصرف لها من قبل وزارة التضامن وليس لأختها حق فيه لتزوجها وهي وحيدة بين جدران الغرفة لا زوج ولا رفقة ولا أولاد تتقاسمه مع شقيقتها تضامنا مع ظروفها؛ وقد أرجع الكاتب ذلك إلى طيبتها وأخلاقها المفرطة وتدينها ورضاها، وإلى تلك الروح الريفية التي عهدها فيها، وبالرغم من كبر سنها ظلت صفات العذرية باقية بداخلها في موقف لقاء الكاتب بها وعرضه بأن تتعلق في يمناه استحيت في البداية، فقد جاء ذلك نتيجة حيائها الذي في الغالب هو من صفات البنات قبل الزواج، كما أنها لم ترد أن تلطخ بدلته الأنيقة بيدها الفقيرة كأنما الفقر يخشى من أن تنتقل عدواه باللمس، شعور تنفرط منه الدموع حنانا وعطفا.و”عبد الصبور” كذلك رجل صدق الله فصدقه، فعندما تقرأ قصته تتساءل: ما هذه الروحانية والنفس التي خاصمت البؤس والسخط؟ ماذا فعلت ليرزقك الله بتلك العفوية والصدق؟رجل حمد الله تعالى وشكره على عدم إنجابه، حتى لا تكون له تلك الأرض الصغيرة البور التي لا حياة فيها، التي اقتطعها من أملاك الدولة فاستصلحها، بعد أن سأل الشيخ وأفاده باستصلاحها، فكان عبد الله الصالح الصبور القنوع الشاكر. ولقد جاءت المفارقة هنا بينه وبين أصحاب القلوب المريضة الضعيفة المغتصبين لأراضي الدولة الجاعلين منها ورثا لأبنائهم وذويهم. وهذا يوقفنا أمام أنفسنا وقفة المتحير: هل نحن متحرون عن أفعالنا سائلون أصحاب المشورة والرأي؟ أم نمضي في الطريق كالقطيع لا رجوع عنه ولا التفات فيه..و”عبد المتين” أعطاه الله بنيانا يساعده على تقليب عيشه، فأصبح يمتهن مهنة ينظر إليها الكثيرون نظرة دونية، فكانت المفارقة هنا بين طبقتين: العليا والدنيا، يمثل الأولى أصحاب الأيدي الناعمة فهم لا يقدرون على حمل الأثقال ولا متطلبات حياتهم فينادونه لحملها، ولحاجته لتلك القروش التي يحصل عليها كان يتحمل نظرتهم الدونية له، ويتحمل فوق ذلك أشياءهم التي يراها ولا يملكها ويتشممها ولا يتذوقها، ومن سخط الأقدار أن تجد من بين هؤلاء الناس من ليسوا من ذوي الأملاك والأطيان، ولكنهم قد تعودوا على وجوده ويتلذذون بمشاعر التعالي، فهم لا يشعرون بذلك إلا في تلك اللحظات التي يحمل فيها عبد المتين متاعهم، فهو في النهاية نقص نفسي تملك قلوبهم.و”غريب أفندي” الذي أحب غربته، ولكنها لم تحبه، فأخذت عقله مثلما أخذت عمره، فشتان بينه وذلك الزميل الذي استضافه وأكرم عيشته، فلولا أن كان مثله ما لبث في الوحدة. وكثيرا ما يظن الإنسان أن الوحدة علاج العقل لأنه محاط الجهال ولكن هذه القصة تجعل الإنسان يعيد حساباته في وحدته من جديد، فيدرك أن الله تعالى خلق الإنسان وخلق له من يساعده ويأخذ بيديه.و”عبد الرؤوف” صاحب القلب الكبير الحنون العطوف الذي خلق الله تعالى له قلبا يتسع للعالم كله، وقد جزاه الله بتلك الرأفة والشفقة بأن حقق في زوجته أمله، ورزقه بولد بعد إياس ورد إليه ما سمحت نفسه به من مال وعقار لأخيه وأولاده، ففي قصتي “عبد الرءوف” و”عبد الرافع” تعزية لكل الكادحين وإن كان فقدان الابن محزنا بل ومحسرا للقلب غير أن فيه تحقيقا لعدل الله في الأرض، فلا يموت أحد إلا وقد اعترف بذنبه تعزية للمظلوم وعبرة لمن يعتبر.فقد كان عبد الرؤوف نقيض عبد الجبار الذي أعطاه الله المال والولد فطغى في الأرض فتحولت نعمة الله عليه إلى نقمة، ولكن إن غفل الإنسان عن بارئه فإن بارئه لا يغفل عنه، بل يتركه لأجل مسمى، مثله كمثل ذلك الابن العاق ناكر فضل وجميل والديه عليه، ولكن ما زرعه حصده في عائلته، هؤلاء الذين بنى لهم حياة خالية من عار والديه تركوه للوباء يعتصره، ولم يبق له سوى ذلك الأب الذي تنكر يوما لمعروفه، فاليوم قلبت الآية وأصبح ذلك الأب الضعيف الذي يحتاج إلى الرعاية والاهتمام هو ملاذ ولده في شدته ومرضه، فسبحان من له الدوام..هذا وقد قدم كاتبنا نماذج بشرية حية من رجالٍ ونساءٍ، رسم اختلافاتهم وتبايناهم رسما ذكيا دقيقا، حرك به مشاعرنا وعواطفنا نحو طبقات المجتمع الكادحة التي لا يُعتنَى بها ولا يؤبه لها، وكأنها عدم لا شيء؛ ذلك من خلال قصص توعوية تهذيبية أخلاقية بدأها بمعلومات الأشخاص وطور الحدث بها ثم كانت النهاية لكل أبطالها وهي العيش برضا أو الموت بسلام.تأثير الأشخاص في المجتمع:قدم الكاتب نوعا أدبيا قصصيا من خلال ترجمته الغيرية لتلك الشخوص السالف ذكرها، يبين بها بعض أشكال النضال من أجل حياة أفضل، وهو نضال في المجال الاجتماعي من أجل عيشة كريمة. فجاءت موضوعاته مستنبطة من الحياة اليومية بتصوير أشخاص عاديين؛ عبر فيها كاتبنا عن الفرد واحتج على المجتمع. فبين التغيرات الاجتماعية التي أسفرت عن مجموعة من القيمٍ الأخلاقية المغايرة لما عهدناه من أخلاقٍ حميدة. وفي النهاية جاءت كتابته متحركة نابضة بالحياة. وهذه الترجمة تسجيل حيّ لأحداث اجتماعية حقيقية أثارها الكاتب صرخة في وجه الظلم والطغيان. فدارت الأحداث حول مفارقات ومقارنات بين الغني والفقير والقوي والضعيف والتقدم والتخلف والأخلاق وعدمها، فأثارت العطف على الكادحين المكافحين والسخرية من بشرٍ يرتكبون جرائم القسوة على أناس مثلهم – ومن الظلم تشبيه الكادحين بالظالمين – فهؤلاء الكادحون هم خير المجتمع وبركته بل هم آباؤنا وأمهاتنا. ولا ننسى تلك النهايات التي جاءت بالتعازي للقلوب التي غلبت عليها شقوتها فتجعلنا لا ننسى قول الله تعالى: }فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { فلا نتردد في الرجوع إليه سبحانه، فبابه مفتوح لا يغلق أبدا..خصائص الترجمة الغيرية عند الدكتور عبد الوهاب برانية في “الكادحون”:أنها قصص تتحدث عن شخوصٍ حقيقية يعرفهم الكاتب وليسوا من نبع الخيال .ماعدا قصة “عفيفة” التي ذكر لنا فيها أنه سمعها وتأثر بها.ذاتية الكاتب التي ترجمته؛ فقد سرد مع ترجمته تفاصيل حياتية له فيعد بذلك شخصية أساسية مشاركة في كل حدث. صحة المعلومات،على الرغم من أن الكاتب أخفى الجزء الرئيسي من تلك المعلومات كما أوضحت؛ وهذا لأن قضية الكاتب الأساسية هي تسليط الضوء على المفارقات الاجتماعية والأخلاقية.حرصه على عنصر الزمن في السرد والمحافظة عليه، حتى وإن كان في توسع للشخوص بداية من “أيوب” حتى “عبد الرافع الحمال” الذي توفى ابنه حديثا بوباء الكورونا.تميزت القصص بالموضوعية، وهذه الموضوعية تتجلى في التراجم الغيرية عن الذاتية، هذا لأن كثيرا من الكتاب لا يرون عيوبهم، ويتعمدون إخفاء الكثير من المواقف والأحداث، وأيضا يبرر الإنسان مواقفه دائما فلا يرى نفسه إلا مظلوما، لكن الكاتب كان موضوعيا إلى درجة التطابق مع الواقع في كثير من الأحيان. رسم شخوصه بلغة سهلة بسيطة غير متكلفة، أثار بها عواطفنا وملأها بالشجن،وجعلنا نعيش مع الشخوص كأننا نراهم، فنفرح لفرحهم ونتعس لتعاستهم. تسليط الضوء على شخوص بعينها ولم يشتت انتباهنا بشخصيات أخرى لا مجال لها. تخليد تلك النماذج البشرية الواجب انتشارها في المجتمع المصري، وهذا عن طريق سرد حياتهم الطيبة الراضية. إعطاء القاريء العبرة والعظة بطريقة غير مباشرة من خلال تلك الشخوص التي انتقاها بعناية فائقة. الانسياب الفائق للمقاطع، الذي يعين القارئ على الاسترسال في القراءة من غير ملل. الرسم الدقيق للشخصيات، فانظر معي إلى هذا المشهد في قصة “أيوب” (وكان أيوب إذا تقدم الخطوط إلى مدى يصعب اللحاق به من جموع العمال، يجلس مستريحا لبعض الوقت، ثم يخرج علبة دخانه، ودفترة البفرة رقيق الأوراق، ثم يقوم بملء ورقة البفرة الرقيقة بأوراق الدخان المهروسة الجافة، ثم يمرر طرفيها على طرف لسانه ليبللها، فيسهل لزقها، ثم يبرمها من طرفيها برما، ويخرج علبة الكبريت الدرج الخشبية من جراب الصديري البفتة، ثم يشعل سيجارته، ويضعها بين سبابته ووسطاه، ويرفعها آنا ويحطها أخرى، ويملأ الأجواء بذلك الدخان المنبعث من سيجارته، حتى تصل رائحته إلى المتأخرين في صفوفهم..)، وهذا الوصف الدقيق لايصدر إلا عن ريشة فنان، وعاطفة شاعر ملهم، مرهف الحس والروح، استقرت في مخيلته تلك الملامح والصور ثم استدعاها حين أرادها لقصته. جاءت القصص في مجملها اجتماعية تأملية تهدف إلى الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي.استخدم عناصر البناء القصصي في ترجمته الغيرية من شخوص وزمان ومكان وحدث (المشكلة) وأيضا البداية التي تمثلت في البيانات والمعلومات والنهاية التي كانت العبرة وقد أضفى عليها بريشة فنان ما جعلها ?

زر الذهاب إلى الأعلى